responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 584
إن للإسلام وجوده المستقل خارج واقع المسلمين في أي جيل. فالمسلمون لم ينشئوا الإسلام، إنما الإسلام هو الذي أنشأ المسلمين. الإسلام هو الأصل، والمسلمون فرع عنه، ونتاج من نتاحه. ومن ثم فإن ما يصنعه الناس أو ما يفهمونه ليس هو الذي يحدد أصل النظام الإسلامي أو مفهوم الإسلام الأساسي. إلا أن يكون مطابقاً للأصل الإسلامي الثابت المستقل عن واقع الناس ومفهومهم، والذي يقاس إليه واقع الناس في كل جيل ومفهومهم، ليعلم كم هو مطابق أو منحرف عن الإسلام.
إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ ابتداء من تصورات البشر، ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم- وذلك حين يرتدون إلى الجاهلية ويكفرون بالله مهما ادعوا أنهم يؤمنون به، فمظهر الإيمان الأول بالله هو استمداد الأنظمة من منهجه وشريعته، ولا إيمان بغير هذه القاعدة الكبيرة- ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ، والأوضاع المتطورة في أنظمتهم، هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم، وطبقوها على أنفسهم.
فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم، إنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم.. فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي «الإسلامي» وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية، فليس هذا واقعاً تاريخياً للإسلام. إنما هو انحراف عن الإسلام! ولا بد من الانتباه إلى هذا الاعتبار عند النظر في التاريخ الإسلامي. فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية، وهي تختلف تماماً مع سائر النظريات التاريخية الأخرى، التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي، هو التفسير العملي للنظرية أو المذهب، وتبحث عن «تطور» النظرية أو المذهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه، وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة! وتطبيق هذه النظرة على الإسلام ينافي طبيعته المتفردة، ويؤدي إلى أخطار كثيرة، في تحديد المفهوم الإسلامي الحقيقي.
وأخيراً تفصح الآية عن حكمة هذه الإجراءات كلها.. إنها اتقاء الجور وتحقيق العدل:
«ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» ..
ذلك.. البعد عن نكاح اليتيمات- إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى- ونكاح غيرهن من النساء- مثنى وثلاث ورباع- ونكاح الواحدة فقط- إن خفتم ألا تعدلوا- أو ما ملكت أيمانكم.. «ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» ..
أي ذلك أقرب ألا تظلموا وألا تجوروا.
وهكذا يتبين أن البحث عن العدل والقسط، هو رائد هذا المنهج، وهدف كل جزئية من جزئياته..
والعدل أجدر أن يراعي في المحضن الذي يضم الأسرة. وهي اللبنة الأولى للبناء الاجتماعي كله، ونقطة الانطلاق إلى الحياة الاجتماعية العامة، وفيه تدرج الأجيال وهي لدنة رخصة قابلة للتكيف، فإن لم يقم على العدل والود والسلام، فلا عدل ولا ود في المجتمع كله ولا سلام [1] .
4- ثم يستطرد السياق في تقرير حقوق النساء- وقد أفرد لهن صدر هذه السورة وسماها باسمهن- قبل أن يستكمل

[1] يراجع بتوسع فصل: «سلام البيت» في كتاب «السلام العالمي والإسلام» .. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 584
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست