نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 586
6- ويتبين السفه والرشد- بعد البلوغ- وأمر السفه والرشد لا يخفى عادة، ولا يحتاج إلى تحديد مفهومه بالنصوص. فالبيئة تعرف الراشد من السفيه وتأنس رشد هذا وسفه ذاك، وتصرفات كل منهما لا تخفى على الجماعة فالاختبار يكون لمعرفة البلوغ، الذي يعبر عنه النص بكلمة: «النكاح» وهو الوظيفة التي يؤهل لها البلوغ:
«وَابْتَلُوا الْيَتامى، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ، وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» ..
ويبدو من خلال النص الدقة في الإجراءات التي يتسلم بها اليتامى أموالهم عند الرشد. كذلك يبدو التشديد في وجوب المسارعة بتسليم أموال اليتامى إليهم، بمجرد تبين الرشد- بعد البلوغ- وتسليمها لهم كاملة سالمة، والمحافظة عليها في أثناء القيام عليها، وعدم المبادرة إلى أكلها بالإسراف قبل أن يكبر أصحابها فيتسلموها! مع الاستعفاف عن أكل شيء منها مقابل القيام عليها- إذا كان الولي غنياً- والأكل منها في أضيق الحدود- إذا كان الولي محتاجاً- ومع وجوب الإشهاد في محضر التسليم.. وختام الآية: التذكير بشهادة الله وحسابه:
«وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» ..
كل هذا التشديد، وكل هذا البيان المفصل، وكل هذا التذكير والتحذير.. يشي بما كان سائداً في البيئة من الجور على أموال اليتامى الضعاف في المجتمع، وبما كان يحتاج إليه تغيير هذا العرف السائد من تشديد وتوكيد، ومن بيان وتفصيل، لا يدع مجالاً للتلاعب عن أي طريق..
وهكذا كان المنهج الرباني ينسخ معالم الجاهلية في النفوس والمجتمعات، ويثبت معالم الإسلام ويمحو سمات الجاهلية في وجه المجتمع، ويثبت ملامح الإسلام. وهكذا كان يصوغ المجتمع الجديد ومشاعره وتقاليده، وشرائعه وقوانينه، في ظلال تقوى الله ورقابته، ويجعلها الضمان الأخير لتنفيذ التشريع. ولا ضمان لأي تشريع في الأرض بغير هذه التقوى وبدون هذه الرقابة: «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» ..
7- ولقد كانوا في الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصبية- في الغالب- إلا التافه القليل. لأن هؤلاء وهؤلاء لا يركبون فرساً، ولا يردون عادياً! فإذا شريعة الله تجعل الميراث- في أصله- حقاً لذوي القربى جميعاً- حسب مراتبهم وأنصبتهم المبينة فيما بعد- وذلك تمشياً مع نظرية الإسلام في التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة، وفي التكافل الإنساني العام. وحسب قاعدة: الغنم بالغرم.. فالقريب مكلف إعالة قريبه إذا احتاج، والتضامن معه في دفع الديات عند القتل والتعويضات عند الجرح، فعدلٌ إذن أن يرثه- إن ترك مالاً- بحسب درجة قرابته وتكليفه به. والإسلام نظام متكافل متناسق. ويبدو تكامله وتناسقه واضحاً في توزيع الحقوق والواجبات..
هذه هي القاعدة في الإرث بصفة عامة.. وقد نسمع هنا وهناك لغطاً حول مبدأ الإرث، لا يثيره إلا التطاول على الله- سبحانه- مع الجهل بطبيعة الإنسان، وملابسات حياته الواقعية! إن إدراك الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الإسلامي، يضع حداً لهذا اللغط على الإطلاق..
إن قاعدة هذا النظام هي التكافل.. ولكي يقوم هذا التكافل على أسس وطيدة راعى الإسلام أن يقوم على أساس الميول الفطرية الثابتة في النفس البشرية. هذه الميول التي لم يخلقها الله عبثاً في الفطرة، إنما خلقها لتؤدي دوراً أساسياً في حياة الإنسان.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 586