نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 587
ولما كانت روابط الأسرة- القريبة والبعيدة- روابط فطرية حقيقية لم يصطنعها جيل من الأجيال ولم تصطنعها جميع الأجيال بطبيعة الحال! والجدال في جدية هذه الروابط وعمقها وأثرها في رفع الحياة وصيانتها وترقيتها كذلك لا يزيد على أن يكون مراء لا يستحق الاحترام.. لما كان الأمر كذلك جعل الإسلام التكافل في محيط الأسرة هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام. وجعل الإرث مظهراً من مظاهر ذلك التكافل في محيط الأسرة. فوق ما له من وظائف أخرى في النظام الاقتصادي والاجتماعي العام.
فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة، لتكملها وتقويها. فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة لتتولى كل من قصرت في إعالتهم وكفالتهم الكاملة، جهود الأسرة، وجهود الجماعة المحلية المحدودة.. وبذلك لا يلقى العبء كله على عاتق الجهاز العام للدولة.. أولاً لأن التكافل في محيط الأسرة أو في محيط الجماعة الصغيرة يخلق مشاعر لطيفة رحيمة، تنمو حولها فضائل التعاون والتجاوب نمواً طبيعياً غير مصطنع- فضلاً على أن هذه المشاعر كسب إنساني لا يرفضه إلا لئيم نكد خبيث- أما التكافل في محيط الأسرة بصفة خاصة فينشئ آثاراً طبيعية تلائم الفطرة.. فشعور الفرد بأن جهده الشخصي سيعود أثره على ذوي قرابته- وبخاصة ذريته- يحفزه إلى مضاعفة الجهد، فيكون نتاجه للجماعة عن طريق غير مباشر. لأن الإسلام لا يقيم الفواصل بين الفرد والجماعة [1] . فكل ما يملك الفرد هو في النهاية ملك للجماعة كلها عند ما تحتاج..
وهذه القاعدة الأخيرة تقضي على كل الاعتراضات السطحية على توريث من لم يتعب ولم يبذل جهداً- كما يقال! - فهذا الوارث هو امتداد للمورث من جهة، ثم هو كافل هذا المورث لو كان هذا محتاجاً وذاك ذا مال. ثم في النهاية هو وما يملك للجماعة عند ما تحتاج. تمشياً مع قاعدة التكافل العام «2» .
ثم إن العلاقة بين المورث والوارث- وبخاصة الذرية- ليست مقصورة على المال. فإذا نحن قطعنا وراثة المال، فما نحن بمستطيعين أن نقطع الوشائج الأخرى، والوراثات الأخرى بينهما.
إن الوالدين والأجداد والأقرباء عامة، لا يورثون أبناءهم وأحفادهم وأقاربهم المال وحده. إنما يورثونهم كذلك الاستعدادات الخيرة والشريرة، والاستعدادات الوراثية للمرض والصحة، والانحراف والاستقامة، والحسن والقبح، والذكاء والغباء.. إلخ. وهذه الصفات تلاحق الوارثين وتؤثر في حياتهم، ولا تتركهم من عقابيلها أبداً. فمن العدل إذن أن يورثوهم المال. وهم لا يعفونهم من المرض والانحراف والغباء، ولا تملك الدولة- بكل وسائلها- أن تعفيهم من هذه الوراثات.
من أجل هذه الواقعيات الفطرية والعملية في الحياة البشرية- ومن أجل غيرها وهو كثير من المصالح الاجتماعية الأخرى- شرع الله قاعدة الإرث «3» :
«لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ، وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ- مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً» ..
هذا هو المبدأ العام، الذي أعطى الإسلام به «النساء» منذ أربعة عشر قرناً، حق الإرث كالرجال- من
(1، 2، 3) يراجع بتوسع فصل: الفرد والمجتمع في كتاب: «الإنسان بين المادية والإسلام» لمحمد قطب. ويراجع فصل التكافل الاجتماعي في كتاب العدالة الاجتماعية. وفي كتاب دراسات إسلامية للمؤلف. وفصل سياسة المال في كتاب العدالة. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 587