نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 588
ناحية المبدأ- كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم. لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية في الحرب والإنتاج. أما الإسلام فجاء بمنهجه الرباني، ينظر إلى «الإنسان» - أولاً- حسب قيمته الإنسانية. وهي القيمة الأساسية التي لا تفارقه في حال من الأحوال! ثم ينظر إليه- بعد ذلك- حسب تكاليفه الواقعية في محيط الأسرة وفي محيط الجماعة.
8- ولما كان نظام التوريث- كما سيجيء- يحجب فيه بعض ذوي القربى بعضاً، فيوجد ذوو قرابة، ولكنهم لا يرثون، لأن من هم أقرب منهم سبقوهم فحجبوهم، فإن السياق يقرر للمحجوبين حقاً لا يحدده- إذا هم حضروا القسمة- تطييباً لخاطرهم، كي لا يروا المال يفرق وهم محرومون، واحتفاظاً بالروابط العائلية، والمودات القلبية. كذلك يقرر لليتامى والمساكين مثل هذا الحق تمشياً مع قاعدة التكافل العام:
«وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» ..
وقد وردت في هذه الآية روايات شتى عن السلف. ما بين قولهم إنها منسوخة، نسختها آيات الميراث المحددة للأنصبة، وقولهم: إنها محكمة. وما بين قولهم: إن مدلولها واجب مفروض، وقولهم: إنه مستحب ما طابت به أنفس الورثة.. ونحن لا نرى فيها دليلاً للنسخ، ونرى أنها محكمة وواجبة. في مثل هذه الحالات التي ذكرنا. معتمدين على إطلاق النص من جهة، وعلى الاتجاه الإسلامي العام في التكافل من جهة أخرى.. وهي شيء آخر غير أنصبة الورثة المحددة في الآيات التالية على كل حال.
9- وقبل أن يأخذ السياق في تحديد أنصبة الورثة، يعود ليحذر من أكل أموال اليتامى.. يعود إليه في هذه المرة ليلمس القلوب لمستين قويتين: أولاهما تمس مكمن الرحمة الأبوية والإشفاق الفطري على الذرية الضعاف وتقوى الله الحسيب الرقيب. والثانية تمس مكان الرهبة من النار، والخوف من السعير، في مشهد حسي مفزع:
«وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ. فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» ..
وهكذا تمس اللمسة الأولى شغاف القلوب. قلوب الآباء المرهفة الحساسية تجاه ذريتهم الصغار. بتصور ذريتهم الضعاف مكسوري الجناح، لا راحم لهم ولا عاصم. كي يعطفهم هذا التصور على اليتامى الذين وكلت إليهم أقدارهم، بعد أن فقدوا الآباء. فهم لا يدرون أن تكون ذريتهم غداً موكولة إلى من بعدهم من الأحياء، كما وكلت إليهم هم أقدار هؤلاء.. مع توصيتهم بتقوى الله فيمن ولا هم الله عليهم من الصغار، لعل الله أن يهيئ لصغارهم من يتولى أمرهم بالتقوى والتحرج والحنان. وتوصيتهم كذلك بأن يقولوا في شأن اليتامى قولاً سديداً، وهم يربونهم ويرعونهم كما يرعون أموالهم ومتاعهم..
10- أما اللمسة الثانية، فهي صورة مفزعة: صورة النار في البطون.. وصورة السعير في نهاية المطاف.. إن هذا المال.. نار.. وإنهم ليأكلون هذه النار. وإن مصيرهم لإلى النار فهي النار تشوي البطون وتشوي الجلود.
هي النار من باطن وظاهر. هي النار مجسمة حتى لتكاد تحسها البطون والجلود، وحتى لتكاد تراها العيون، وهي تشوي البطون والجلود! ولقد فعلت هذه النصوص القرآنية، بإيحاءاتها العنيفة العميقة فعلها في نفوس المسلمين. خلصتها من رواسب
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 588