ما خاط لك ذلك الزمان من الأفكار، ثم انظر في تلك الصحراء الوسيعة!. فأول ما يتجلى لعينك: انك ترى انسانا وحيدا لا معين له ولا سلطنة يبارز الدنيا برأسه.. ويهجم على العموم.. وحمل على كاهله حقيقة اجلّ من كرة الارض.. وأخذ بيده شريعة هي كافلة لسعادة الناس كافة.. وتلك الشريعة كأنها زبدة وخلاصة من جميع العلوم الالهية والفنون الحقيقية.. وتلك الشريعة ذات حياة لا كاللباس بل كالجلد، تتوسع بنموّ استعداد البشر وتثمر سعادة الدارين، وتنظم أحوال نوع الانسان كأهل مجلس واحد. فإن سُئلتْ قوانينُها من اين الى اين؟ لقالت بلسان اعجازها: نجئ من الكلام الأزليّ ونرافق فكر البشر الى الأبد، فبعد قطع هذه الدنيا نفارق صورةً من جهة التكليف ولكن نرافق دائما بمعنوياتنا واسرارنا فنغذي روحهم ونصير دليلهم.. فيا هذا أفلا يتلو عليك ما شاهدت الأمرَ التعجيزيَّ في (فأتوا بسورة من مثله.. فان لم تفعلوا ولن تفعلوا) ..الخ.
ثم اعلم ان آية (وان كنتم في ريب مما نزلنا) ... الخ: تشير الى ان ناساً - بسبب الغفلة عن مقصود الشارع في ارشاد الجمهور وجهلهم بلزوم كون الارشاد بنسبة استعداد الأفكار - وقعوا في شكوك وريوب منبعها ثلاثة امور:
احدها: انهم يقولون: وجود المتشابهات والمشكلات في القرآن الكريم منافٍ لإعجازه المؤسس على البلاغة المبنية على ظهور البيان ووضوحِ الافادة.
والثاني: انهم يقولون: ان القرآن الكريم اطلق وأبهمَ في حقائق الخِلقة وفنون الكائنات مع انه مناف لمسلك التعليم والارشاد.
والثالث: انهم يقولون: ان بعض ظواهر القرآن الكريم اميل الى خلاف الدليل العقلي فيحتمل خلاف الواقع وهو مخالف لصدقه.
الجواب - وبالله التوفيق - ايها المشككون اعلموا!. ان ما تتصورونه سبباً للنقص انما هو شواهد صدق على سر اعجاز القرآن الكريم.
أما الجواب عن الريب الأول وهو وجود المتشابهات والمشكلات:
فاعلم! ان ارشاد القرآن الكريم لكافة الناس، والجمهور الأكثر منهم عوام، والأقل تابع للأكثر في نظر الارشاد. والخطاب المتوجه نحو العوام يستفيد منه الخواص