واما وجه انعكاس المقصد الثاني، وهو الاكملية فيها، فهو:
ان "من قبلك" بناء على ملاحظة عادة "ان السلطان يخرج في اخريات الناس".. وعلى قاعدة التكمل في نوع البشر المقتضية لاكملية المربي الثاني عن المربي الاول.. وعلى اغلبية مهارة وزيادة الخلف على السلف، تلوح بان محمداً عليه السلام سلطان الانبياء، اكمل من كلهم. كما ان القرآن أجمع وأجمل [1] من كتبهم.
واما وجه تشربها من المقصد الثالث وهو الخاتمية فهو:
ان "من قبلك" بسر قاعدة "ان الواحد اذا تكثَّر تسلْسَلَ لايسكن، وان الكثير اذا اتحدّ استقرّ لاينقطع" وباشمام المفهوم المخالف تلمح بانه عليه السلام خاتم الانبياء.
واما وجه انصباغها من المقصد الرابع وهو عموم الدعوة فهو:
ان "من قبلك" المفيدة "انك خَلَفُهم وكلٌ منهم سلفك" بسر قاعدة "ان الخلف يأخذ تمام وظيفة السلف ويقوم مقامه" تشير بأنه اذا كان كل منهم سلفك فانت نائب الكل، ورسول جميع الامم. نعم لايكون إلاّ كذلك!.. اذ الفطرة حاكمة له، والحكمة قاضية به؛ لانه كانت امم العالم الانساني قبل زمان السعادة في غاية التباعد والاختلاف مادة ومعنى، واستعداداً وتربيةً؛ ماكفت لهم التربية الواحدة وما شملت الدعوة المفردة. ثم لما انتبه العالم الانساني بزمان السعادة بعده، وتمايل الى الاتحاد بمداولة الافكار، ومبادلة الطبائع، واختلاط الاقوام، وتحري البعض عن حال البعض حتى تمخض الزمان بكثرة طرق المخابرة والمناقلة؛ فصارت الكرة كمملكة وهي كولاية وهي كبلدة، واتصل الرحم بين اهل الدنيا؛ كَفَت الدعوة الواحدة والنبوة الفريدة للكافة.
واما وجه إشمامها بالمقصد الخامس فهو:
ان "من قبلك" المومية من "من" الى "الى"، ومن "الى" الى الاغناء [2]. اي "انتهت الرسالة بقدومك اذ اَغْنَتْ شريعتُك" ترمز بأن شريعته عليه السلام ناسخة بالانتهاء وجامعة بالاغناء. [1] واشمل (ش) . [2] اى: ان "من " يفيد معنى الابتداء، والابتداء لابد له من انتهاء - اى "الى " - والانتهاء يدل على عدم الحاجة او الاغناء (ت: 56)