واعلم! ان الامارة لنظر البلاغة على تشرب هذه الكلمة لهؤلاء اللطائف هي:
ان هذه المقاصد الخمسة كالانهار الجارية تحت هذه الآيات، حتى يفور هذا بكماله في آية.. وينبع ذاك بتمامه في أُخرى.. ويتجلى ذلك بشَرَاشيره [1] في آخرة. فأدنى ترشِّحٍ على السطح يومي بتماس عروق الكلمة بها. وايضا تتسنبل هذه المعاني في آيات مسوقة لها.
(وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
اعلم! ان مآل هذه الآية هوالمقصد الرابع من المقاصد الاربعة المشهورة وهو "مسألة الحشر". ثم انا قد استفدنا من نظم القرآن عشرة براهين عليها، ذكرناها في كتاب آخر [2] فناسب تلخيصها هنا. وهي:
ان الحشر حق؛ لان في الكائنات نظاماً اكمل قصدياً.. وان في الخلقة حكمة تامة.. وان لا عبثية في العالم.. وان لا اسراف في الفطرة.. والمزكي لهؤلاء الشواهد الاستقراء التام بجميع الفنون التي كل منها شاهدُ صدق على نظام نوع موضوعه.. وايضا ان في كثير من الانواع مثل اليوم والسنة وغيرهما قيامة مكررة نوعية.. وايضا جوهر استعداد البشر يرمز الى الحشر.. وايضا عدم تناهي آمال البشر وميوله يشير اليه.. وايضا رحمة الصانع الحكيم تلوح به.. وايضا لسان الرسول الصادق عليه السلام يصرّح به.. وأيضا بيان القرآن المعجز في أمثال (وَقَدْ خَلَقَكُمْ اَطْوَاراً) [3] (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [4] يشهد له. تلك عشرة كاملة، مفاتيح للسعادة الابدية وأبواب لتلك الجنة.
اما بيان البرهان الاول: فهو انه لو لم تنجر الكائنات الى السعادة الابدية لصار ذلك النظام الذي اتقن فيه صانعُه اتقاناً حَيَّرَ فيه العقول صورةً ضعيفة خادعة، وجميع المعنويات والروابط والنسب في النظام هباء منثوراً. فليس نظام ذلك النظام الاّ اتصاله بالسعادة، اي ان النكت والمعنويات في ذلك النظام انما تتسنبل في عالم الآخرة. والاّ [1] بشراشيره: بأجمعه. [2] هذه البراهين مذكورة في رسالة "لاسيما" من المثنوى العربى النورى ومفصلة في الكلمة التاسعة والعشرين وموضحة بنور تجليات الاسماء الحسنى في الكلمة العاشرة (الحشر) . [3] سورة نوح: 14. [4] سورة فصلت: 46.