وثمرتها عينها، اذ هي بذاتها نعمة عظمى ولذة وجدانية، بل جنة الروح؛ كما ان الضلالة جهنمها. ثم بعد ذلك تثمر الفلاح في الآخرة.
واما المحسوسية في (اولئك) فاشارة الى ان ذكر الاوصاف الكثيرة سبب للتجسم في الذهن، والحضور في العقل، والمحسوسية للخيال. فمن العهد [1] الذِكري ينفتح باب الى العهد الخارجي، ومن العهد الخارجي ينتقل الى امتيازهم، وينظر الى تلألئهم في نوع البشر كأنه من رفع رأسه وفتح عينيه لا يتراءى له الا هؤلاء.
واما البُعدية في (اولئك) مع قُربيتهم في الجملة فللاشارة الى تعالي رتبتهم؛ اذ الناظر الى البعداء لا يرى الا اطولهم قامة، مع ان حقيقة البعد الزماني والمكاني اقضى لحق البلاغة؛ اذ هذه الآية كما ان عصر السعادة لسان ذاكر لها وهي تنزل، كذلك كلٌّ من الاعصار الاستقبالية كأنه لسان ذاكر لها، وهي شابة طرية كأنها اذ ذاك نزلت لا انها نزلت ثم حكيت. فاوائل الصفوف المشار اليهم بـ "اولئك" يتراؤن من بُعْدٍ. ولأجل الرؤية مع بُعدهم يُعلم عظمتهم وعلوّ رتبتهم.
واما لفظ (على) فاعلم! ان سر المناسبة بين الاشياء صيَّر اكثر الامور كالمرايا التي تتراءى في أنفسها؛ هذه في تلك وتلك في هذه. فكما ان قطعة زجاجة تريك صحراء واسعة؛ كذلك كثيراً ماتذكِّرك كلمةٌٌ فذة خيالا طويلا، وتمثل نصب عينيك هيئة كلمة حكاية عجيبة. ويجول بذهنك كلام في عالم المثال المثالي. كما ان لفظ "بارَزَ" يفتح لك معركة الحرب، ولفظ "ثمرة" في الآية يفتح لك باب الجنة وقس! فعلى هذا لفظ "على" للذهن كالكُوَّة الى اسلوب تمثيلي هو ان هداية القرآن بُراقٌ إلهي أهداه للمؤمنين ليسلكوا، وهم عليه في الطريق المستقيم سائرين الى عرش الكمالات.
واما التنكير في (هدى) فيشير الى انه غير (هدى للمتقين) اذ المنكّر المكرر غير الاول في الاغلب [2]. فذاك مصدر وهذا حاصل بالمصدر.. وهو صفة محسوسة قارة [3] كثمرة الاول. [1] حيث ذكرت اوصافهم فاصبحت معهودة (ت: 65) [2] حيث ان النكرة اذا كررت بصورة معرفة، فتلك المعرفة هى عين تلك النكرة، اما اذا ذكرت النكرة نكرة فلا تكون عين النكرة في الاغلب (ت: 67) [3] قارة: ثابتة.