واما لفظ (من) فيشير الى ان الخلق والتوفيق في اهتدائهم - المكسوب لهم - من الله. 1
واما لفظ الـ "رب" فيشير الى ان الهداية من شأن الربوبية فكما يربيهم بالرزق يغذيهم بالهداية.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
اعلم! ان مظان تحري النكت هي: عطف "الواو"، ثم تكرار "اولئك"، ثم "ضمير الفصل"، ثم الالف واللام، ثم إطلاق "مفلحون" وعدم تعيين وجه الفلاح.
اما العطف فمبني على المناسبة؛ اذ كما ان (اولئك) الاول اشارة الى ثمرة الهداية من السعادة العاجلة؛ فهذه اشارة الى ثمرتها من السعادة الآجلة. ثم انه مع ان كلاً منهما ثمرة لكل ما مر، الا ان الأَولى أَن (اولئك) الاول يرتبط عِرْقُه بـ (الذين) الاول، الظاهر انهم المؤمنون من الأميين، ويأخذ قوته من اركان الاسلامية، وينظر الى ماقبل (وبالآخرة هم يوقنون) . و (اولئك) الثاني ينظر برمز خفي الى (الذين) الثاني، الظاهر انهم مؤمنو اهل الكتاب. ويكون مأخذه اركان الايمان واليقين بالآخرة. فتأمل!
واما تكرار (اولئك) فاشارة الى استقلال كل من هاتين الثمرتين في العلة الغائية للهداية والسببية لتميزهم ومدحهم، الا ان الأولى ان يكون (اولئك) الثاني اشارة الى الاول مع حكمه كما تقول: ذلك عالم وذلك مكرّم.
واما ضمير الفصل فمع انه تأكيد الحصر الذي فيه تعريض بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبيّ عليه السلام، فيه نكتة لطيفة وهي: ان توسط (هم) بين المبتدأ والخبر من شأنه أن يحول المبتدأ للخبر الواحد موضوعاً لاحكام كثيرة يُذكَر البعضُ ويُحال الباقية على الخيال؛ لان (هم) ينَبِّه الخيال على عدم التحديد ويشوّقه على تحري الاحكام المناسبة. فكما انك تضع زيداً بين عيني السامع فتأخذ تغزل منه الاحكام قائلا: هو عالم، هو عامل، هو كذا وكذا. ثم تقول قس! كذلك لما قال (اولئك) ثم جاء (هم) هيّج الخيال لان يجتني ويبتني بواسطة الضمير أحكاماً مناسبة
1 اذ الاهتداء، اى سلوك طريق الصواب، هو ضمن اختيارهم وداخل كسبهم، مع ان الهداية التى هى صفة ثابتة، فهى من الله تعالى (ت: 67)