وقال: "والميزان التي أنزلها اللَّه مع الكتاب ميزان عادلة تتضمن اعتبار الشيء بمثله، وخلافه، فتسوى بين المتماثلين وتفرق بين المختلفين بما جعله اللَّه في فطر عباده وعقولهم من معرفة التماثل والاختلاف.
فإذا قيل: إن كان هذا مما يعرف بالعقل، فكيف جعله اللَّه مما أرسل به الرسل؟
قيل: لأن الرسل ضربت للناس الأمثال العقلية التي يعرفون بها التماثل والاختلاف، فإِن الرسل دلت الناس وأرشدتهم إلى ما به يعرفون العدل، ويعرفون الأقيسة العقلية الصحيحة التي يستدل بها على المطالب الدينية، فليست العلوم النبوية مقصورة على الخبر، بل الرسل صلوات اللَّه عليهم بينت العلوم العقلية التي بها يتم دين اللَّه علماً وعملاً، وضربت الأمثال فكملت الفطرة بما نبهتها عليه وأرشدتها لما كانت الفطرة معرضة عنه، أو كانت الفطرة قد فسدت بما يحصل لها من الآراء، والأهواء الفاسدة فأزالت ذلك الفساد، والقرآن والحديث مملوءان من هذا، يبين اللَّه الحقائق بالمقاييس العقلية والأمثال المضروبة، ويبين طريق التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، وينكر على من يخرج عن ذلك كقوله: {أَمْ حَسِبَ الّذِينَ اجْتَرَحُواْ السّيّئَاتِ أَن نّجْعَلَهُمْ كَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ} [1] الآية، وكقوله: [1] سورة الجاثية الآية رقم (21) .