نام کتاب : العزف على أنوار الذكر نویسنده : محمود توفيق محمد سعد جلد : 1 صفحه : 254
«ولا ننسَى أن نلحظ هنا تقديم (الآخرة) على (الأولى) لمراعاة قافية السورة وإيقاعها، إلى جانب النكتة المعنوية المقصودة بتقديم الآخرة على الأولى، كما هي طبيعة الأسلوب القرآنيّ في الجمع بين أداء المعنى وتنغيم الإيقاع دون إخلال بهذا على حساب ذاك ... » (1)
وهو لم يصرح لنا بالنكتة المعنوية من إقامة هاتين الكلمتين: (الأخرى) و (إذن) في سياقهما، ولا النكتة المعنوية من تقديم الأخرى على الأولى، وكأنّه يراهما من الظهور، فلايفتقرأحد إلى التصريح له بهما. (2)
(1) - السابق: 3409
(2) - يذهب " ابن عطية الأندلسي " (ت:546) إلى أن مناة " كانت أعظم هذه الأوثان قدرًا وأكثرها عابدًا، وكانت الأوس والخزرج تهلُّ لها، ولذلك قال تعالى " الثالثة الأخرى" فأكدها بهاتين الصفتين كما تقول: رأيت فلانا وفلانًا، ثُمَّ تذكر ثالثًا أجلّ منهما، فتقول: وفلانًا الآخر الذي من أمره وشأنه " (المحرر الوجيز:15/266- ط: المغرب)
و"الزمخشري " يرى في النعت بالأخرى معنًى غير ما عند " ابن عطية" يرى أنَّ المعنى على الذمِّ أي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله تعالى:" ( ... قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لآُولاهُمْ) (الأعراف: من الآية38) أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم لللات والعزَّى) (الكشاف:4/30)
ويستحن " الطاهر بن عاشور " أن يكون قوله تعالى: (الثالثة الأخرى) جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد،وكان فيه من يظنّ أنّه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر، فيقولوا:" وفلان هو الآخر"
ووجهه هنا أنَّ عُبَّادَ " مناة" كثيرون في قبائل العرب، فنبه على أنّ كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بفية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها، وكلّ ذلك جارٍ مجرى التهكم والتسفيه" (التحرير والتنوير: 27/ 105) وهو كما ترى ينزع مما نزع منه " ابن عطية"
أمَّا مجيئ كلمة (إذن) فإنه مفيد ترتب الحكم على ما قبله: " أي يترتب على ما زعمتم أن َّ ذلك قسمة ضيزى" (التحرير والتنوير: 27/106) ولو نزعت كلمة (إذن) لم يتبيذن ما يفيد ترتب الحكم بجور القسمة على ما كان منهم.
وتقديم (الأخرى على الأولى) فإنَّ "البقاعي" يذهب إلى أنه تقديم يفيد أنهم مربوبون لايملكون من أمرهم شيئًا بدليل أنَّ ما يتمنونه في دار ما يتمنى من النعيم لا يكون لهم من ذلك شيء لأأنه كله لله، وليس لهم منه شيء، فظهور كمال الملك في الآخرة أقوى، فإنَّه يومئذ لا يكون لأحدٍ أيُّ شيءٍ على أيّ وجه، فكان تقديم الآخرة أدل على افتقارهم وعجزهم (ينظر: نظم الدرر: 7/ 325 - بيروت)
ويذهب الطاهر بن عاشور إلى أنَّه " إنّما قدمت الآخرة للاهتمام بها والتنبيه إلى أنّها التي يجب أن يكون اعتناء المؤمنين بها لأنَّ الخطاب في هذه الآية للنبي - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا - والمسلمين مع ما في هذا التقديم من الرعاية للفاصلة. (التحرير والتنوير: 27/112)
نام کتاب : العزف على أنوار الذكر نویسنده : محمود توفيق محمد سعد جلد : 1 صفحه : 254