نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 85
وهي الحركة الدائمة المستمرة في الداخل والخارج، فهي تشمل ما يدخل في النفس من أسباب الحياة، وما يخرج منها لتستمرّ الحياة، ويقال: نفس عني، أي: فرج عني، وبذلك يكون كلمة التنفس يندرج فيها ثلاثة معانٍ تتصل بالحياة الدائمة المستمرة، أولها: التنفس بمعنى الحياة، وثانيها: حركتها واستمرارها، وثالثها: تدرجها في الظهور شيئًا فشيئًا، ولو أنك وضعت كلمة أشرق بدل تنفَّس، كأن يقال ولكلام الله تعالى المثل الأعلى: "والصبح إذا أشرق، أو أصبح أو أنار أو أضاء"، فإنَّ كلمة منها أو كلمات لا تقوم مقام تنفس، ولا تغني غناءها.
ولو أننا تركنا لفظ تنفس بانفرادها، وتابعناها مقترنة بكلمة الصبح، وهو النور الذي يبتدئ به النهار، ونظرنا ما يصوره قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس} ورأينا كل حي في الوجود، يفيض عليه الإصباح بالعمل والحركة، فالندى يصيب الزهور، والضوء يضيء الحدائق الغناء، والطوير تزقزق بموسيقاها، وينبعث كل من في الوجود خارجًا من لباس الليل إلى معاش النهار، فالزارع يخرج إلى حقله، والماشية تنبعث من مرابضها ناعقة فرحة، سائرة إلى المراعي ترعاها، والكلأ تنتجعه، والصبيان يخرجون من أكنانهم كما تخرج الطير من أكنانها، وكل ما في الوجود يخرج مما يخفيه الظلام.
وهكذا نجد كل مظاهر الحياة تندرج في الظهور، حتى يصل إلى الضحى، فيكون المعترك القوي الصاخب اللاغب، فهل ترى كلمة تدل على هذه المعاني أبلغ من كلمة: والصبح إذا تنفس، وبهذا يتبين أنَّ ألفاظ القرآن الكريم كل كلمة في حيِّزها، لا يملأ غيرها في موضعها فراغها.
51- بعد هذا البيان الذي حاولنا فيه أن نتسامى إلى أن نذكر مواضع البلاغة أو الفصاحة في كل الكلمات التي سقناها وتلونا آياتها، وكون كل كلمة في موضعها ذات بلاغة خاصة تصور صورة بيانية رائعة، وهي مع أخواتها تتلاقى في صورة كاملة، لها أطياف تروع القارئ، وتستولي على لب المتفهم.
ولننتقل الآن من الألفاظ إلى عبارات لها معانٍ لا يحل محلها في نسجها ولا في مدلولها ما يقوم مقامها، ولنذكر منها أربع آيات.
أولاها: قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيِْمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175، 176] .
وإن هاتين الآيتين الكريمتين تصوران رجلًا آتاه الله تعالى العلم بالآيات الموجبة التصديق بالحق، وإن هذه الآيات أحاطت بقلبه ونفسه، حتى لا مناص من إنكارها كما
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 85