نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 87
وكل هذه المعاني تشرق من مقابلة الارتفاع بالإخلاد إلى الأرض.
وهنا نجد صورة رائعة تلتقي فيها أطياف مميزة بألفاظ مصوّرة، فهي تصور شخصًا أفاض الله تعالى عليه بأسباب الإيمان بالحق، والتصقت به حتى صارت كأنها جزء من كيانه، وقد اتصلت ببنائه، ولكنه بسبب أنه أخلد إلى الأرض وكان نزوعه متصلًا بأعلاقه قد سلخ البينات الملتصقة بها بانغماس في الضلال متكرر مستمر، حتى انسلخ من الهداية، وفي ذلك إشارة بيانية إلى أنَّه ترك الهداية بعد عمل مستمر قام به، فهو قد ابتدأ في الشر متبعًا هواه، ثم كرره حتى كون له خطوطًا في نفسه، وتكرَّر حتى صارت الخطوط مجاري، فكان الانسلاخ، وبعد الانسلاخ وجد الشيطان طريقه فأتبعه بغية الضلال، وقد مثله تعالى بمثال آخر، وذكر له صورة أخرى.
وذكر في الكلمة الرابعة: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث"؛ واللهث كما يقول علماء اللغة: أن يخرج الحيوان لسانه مرطبًا بلعابه في حال عطشه أو جوعه أو إعيائه، أو إهاجته وذعره، ويقولون: إن أخسّ أحوال الكلب أن يكون منه اللهث في كل أحواله، فإنه يكون مكروبًا دائمًا، وقد ذكر القرآن الكريم حال من ينسلخ من الهداية إلى الغواية بأنَّه يكون في حال هياج نفسي مستمر لا يستقر على قرار، ولا يسكن على حال؛ إذ إن الهداية إيمان، والإيمان اطمئنان وقرار، ومن يكفر بالله وينسلخ على هدايته اتباعًا لهواه يكون في لهج مستمر، فيكون كالكلب في أخسِّ أحواله وأذلها، إن هيج لهث وبدت صورته شوهاء، وإن سكت عنه بدا على هذه الصورة.
وإن هذا تصوير واضح لمن غلب عليه هواه؛ إذ تغلب عليه شقوته، ويكون في اضطراب وشعور بحرمان دائم يستقر في نفسه؛ لأنَّ الهوى يجعل النفس طلعة تتطلع ولا تهدأ ولا تستقر ولا تطمئن.
ونرى من هذه الآية وما سبقتها كيف يكون كل لفظ مؤديًا معنى خاصًّا يقصد، ويعطي صورة من البيان لها أطياف كأطياف صورة التصور الحسية التي تصورها يد صناع لمصور ماهر، ولكلام الله تعالى المثل الأعلى، ومن مجموع هذه الصور المتكوّنة من الكلمات تكون صورة كلية يتمثَّل فيها أعلى صور البيان.
52- ولننتقل من هذه الصورة الرائعة التي تتكوّن من مجموع صور بيانية للعبارات إلى صورة بيانية؛ لبيان حال ما ينزل بالكفار يوم القيامة، ولا يصحّ أن يجول بخاطر أحد أنَّنا نبحث في ألفاظ القرآن الكريم متخيّرين، بل نفتح فنجد الأمثال الواضحة من غير تحرّ ولا تخير.
نام کتاب : المعجزة الكبرى القرآن نویسنده : أبو زهرة، محمد جلد : 1 صفحه : 87