الدعوة بشطريها: النظري، والعملي؛ ولرأيت أدنى هذين الشطرين إليك، هو هذا الشطر العملي.
فاعلم الآن، أن هذا الشطر العملي، الذي لمحناه من قبل مطويًّا في فهرس موجز، سنراه فيما يلي، مبسوطًا في بيان مفصل.
ففي نيف ومائة آية، سنرى فنًّا جديدًا من المعاني، مهمته رسم نظام العمل للمؤمنين، وتفصيل الواجب والحرام والحلال لهم في شتى مناحي الحياة: في شأن الفرد، وفي شأن الأسرة، وفي شأن الأمة.. بيانًا مؤتنفًا تارة، وجوابًا عن سؤال تارة أخرى، متناولًا في جملته عشرات من شعب الأحكام.
هذه الحكمة العامة في تأخير إقامة البنيان، ريثما أرسيت قواعده، وفي تأجيل الفروع حتى أحكمت أصولها، ستبدو من ورائها حكم جزئية، وأسرار دقيقة، لمن أقبل على هذه الفروع، ينظر إلى تلاصق لبناتها في بنيتها، وتناسق حباتها في قلادتها، ثم رجع ينظر في وجه التقابل بين ذلك الإجمالي السابق، وهذا التفصيل اللاحق..
فلنأخذ في استعراض الحلقات الرئيسة لهذه السلسلة الجديدة:
الحلقة الأولى: خلة الصبر:
لقد ختمت آية البر كما رأيت، بخصلة من خصال البر، ميزت في إعرابها تمييزًا، فكان ذلك تنويهًا بشأنها أي تنويه.. تلك هي خلة الصبر، التي شعبتها الآية المذكورة إلى ثلاث شعب: الصبر في البأساء، والصبر في الضراء، والصبر حين البأس.. فهل تعلم أنه الآن وقد بدئ دور التفصيل، ستكون هذه الخصلة بشعبها الثلاث، أول ما تعنى السورة بنشره من تلك الخصال، وأنها ستنشرها نشرًا مرتبًا ترتيبًا تصاعديًّا على عكس ترتيب الطي: الصبر حين البأس، ثم الصبر في الضراء، ثم الصبر في البأساء.. وهل تعلم أن هذا النظام التصاعدي نفسه سيتبع في سائر الخصال: الوفاء بالعهود والعقود.