نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 221
في تلك القصة[1] فما لهم حاجة في معرفة زمانها ولا مكانها، ولا أسماء أشخاصها ولا أشكالهم ولا أعدادهم، ولا الطريقة التي صينوا بها في فجوة من الكهف لم يعبث بهم عابث حتى جاء الوقت المعلوم. بل اتجه القرآن إلى عبرة هذه القصة يستخلصها للمؤمنين ويحملهم على استخلاصها بأنفسهم، فليس لهم أن يقفوا غير ما علموه في الماضي وما يمكنهم الساعة أن يعلموه. أما المستقبل فهو غيب محجب لا يقطع أحد فيه بقول ولا عمل، وإنما يحسن فيه التفكير، والتدبير {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [2].
وأما قصة موسى مع العبد الصالح فارتباطها بشئون الغيب أوثق من ارتباط قصة الكهف بتلك الشئون: فإن مشاهدها الأربعة المعروضة في هذه السورة قد تصادم ما تعارف الناس على تسميته بمنطق الأشياء والأحداث، وقد تثير بغرائبها الاستنكار، بيد أنها تحل أبسط حل وأيسره إذا ما عرضت على الصعيد الغيبي بمفاجآته ومعجزاته.
وأول تلك المشاهد الأربعة بطله موسى كليم الله، وهو -على ما فيه من عجب- ليس شيئا ذا بال حين يقاس بالمشاهد الثلاثة الباقية التي كان بطلها عبدًا صالحا آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما.
إن موسى -في المشهد الأول- مصمم على بلوغ مجمع البحرين[3]. [1] قال الطبري في تأويل الآية: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} : "يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تمار يا محمد، يقول: لا تجادل أهل الكتاب فيهم، يعني في عدة أهل الكهف، وحذفت العدة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة، السامعين بالمراد" الطبري 15/ 150. [2] قارن بتفسير ابن كثير 3/ 79. [3] سكت القرآن عن تعيين المنطقة الواقعة عند مجمع البحرين، ولا حاجة بنا إلى الخوض في ذلك، إلا أننا نستنتج -في ضوء معلوماتنا التاريخية- أن المراد بمجمع البحرين التقاء خليجي العقبة والسويس بالبحر الأحمر، ولا داعي للرجوع إلى التفاسير في مثل هذه الشئون، فأكثر الآراء فيها هنا رجم بالغيب، ولا نستثني من ذلك تفسير الطبري نفسه. وانظر على سبيل المثال الطبري 15/ 176.
نام کتاب : مباحث في علوم القرآن نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 221