وقرأه الرسول على الناس على مكث وسمعوه منه ثم نسخ الله ما شاء أن ينسخ بعد ذلك وأبقى ما أبقى لحكمة سامية تستقبلك في مبحث النسخ.
يدل على أن الجميع نازل من عند الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم لكل من المتنازعين المختلفين في القراءة من أصحابه: "هكذا أنزلت" وقول كل من المختلفين لصاحبه: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الله تعالى لرسوله جوابا لمن سأله تبديل القرآن: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وليس بعد كلام الله ورسوله كلام. كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم هذا القرآن لا من ناحية أسلوبه ولا من ناحية ألفاظه بل ولا من ناحية قانون أدائه فمن يخرج على هذا الإجماع ويتبع غير سبيل المؤمنين يوله الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا.
وها نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعا باتا مشفوعا بالوعيد الشديد ومصحوبا بالعقاب الأليم. فما يكون لابن مسعود ولا لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدل لفظا من ألفاظ القرآن بلفظ من تلقاء نفسه. انظر ما قررناه في الشاهدين: الرابع والسابع من هذا المبحث.
أما هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة الفاجر بدلا من كلمة الأثيم في قول الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ} فتدل على أن ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما رأى الرجل قد تعسر عليه النطق بالأولى أشار عليه أن يقرأ بالثانية وكلاهما منزل من عند الله.
وكذلك حديث أبي بكرة السابق لا يدل على جواز تبديل الشخص ما شاء من القرآن بما لا يضاده كما زعم الواهم إنما ذلك الحديث وأشباهه من باب الأمثال التي يضربها الرسول صلى الله عليه وسلم للحروف التي نزل عليها القرآن ليفيد أن تلك الحروف