على اختلافها ما هي إلا ألفاظ متوافقة مفاهيمها متساندة معانيها لا تخاذل بينها ولا تهافت ولا تضاد ولا تناقض ليس فيها معنى يخالف معنى آخر على وجه ينفيه ويناقضه كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضدها
وتلك الأحاديث بهذا الوجه تقرير لأن جميع الحروف نازلة من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} .
وهاك برهانا آخر ذكره صاحب التبيان في مثل هذا المقام إذ يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم البراء ابن عازب دعاء فيه هذه الكلمة ونبيك الذي أرسلت فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ورسولك الذي أرسلت فلم يوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بل قال له: "لا. ونبيك الذي أرسلت". وهكذا نهاه عليه الصلاة والسلام أن يضع لفظة رسول موضع لفظة نبي مع أن كليهما حق لا يحيل معنى إذ هو صلى الله عليه وسلم رسول ونبي معا. ثم قال: فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا: إنه عليه الصلاة والسلام كان يجيز أن يوضع في القرآن الكريم مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم. وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا والله يقول مخبرا عن نبيه: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى اهـ بتصرف قليل.
الشبهة الثالثة:
يقولون: إن نزول القرآن على سبعة أحرف ينافي ما هو مقرر من أن القرآن نزل بلغة قريش وحدها ثم إنه يؤدي إلى ضياع الوحدة التي يجب أن تسود الأمة الواحدة بسبب اجتماعها على لسان واحد.
والجواب: أنه لا منافاة ولا ضياع للوحدة فإن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن الكريم واقعة كلها في لغة قريش. ذلك أن قريشا كانوا قبل مهبط الوحي والتنزيل،