التي قدرها بعضهم بأربعين يوما وأنت إذا قرأتها لن تجد فرقا بين أسلوبها وأسلوب كثرة القرآن الغامرة التي نزلت مباغتة مفاجئة.
وهذا الذي يقال في القرآن يقال مثله في الحديث النبوي. فمنه ما كان وليد التفكير والتدبير والمشاورة والمداولة كحديثه صلى الله عليه وسلم في شؤون الحرب والصلح ومنه ما كان وحي الساعة وإرسال البديهة كحديثه الكثير فيما هو ظاهر من أمور الدين. ومنه ما كان وحي الله إليه يهبط به الأمين جبريل كحديث المعتمر المتضمخ بالطيب وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن طيبه في عمرته هذه. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة حتى جاءه الوحي ولما سري عنه قال: "أين السائل عن العمرة" فجيء به فقال عليه الصلاة والسلام: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات. وأما الجبة فانزعها واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك" رواه الشيخان.
نعرف هذه الظروف المختلفة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكنها مع اختلافها لم يختلف فيها الأسلوب النبوي بل هو طراز واحد من أرقى الأساليب البشرية إن لم يكن أرقاها وقلما تلحظ فيه تفاوتا كثيرا. لا فرق في ذلك بين ما أرسله على البديهة وما أجال فيه الرأي والاستشارة وما نزل به وحي السنة وما احتفل به احتفالا ممتازا بالمواقف المشهودة والمجامع المحشودة.
إذن هما نمطان متمايزان لا يشتبهان نمط القرآن كله ونمط الحديث كله لكل منهما مسحة وبيان ودرجة في الفوق والسبق بينها وبين الأخرى بعد ما بين شأني الخالق والخلق وفرق ما بين مكانتي السيد والعبد فالقرآن يمتاز بمسحة بلاغية خاصة وطابع بياني فريد لا يترك بابا لأن يلتبس بغيره أو يشتبه بسواه ولا يعطي الفرصة لأحد أن يعارضه أو يحوم حول حماه بل من خاصمه خصم ومن عارضه قصم ومن حاربه هزم. أما الحديث الشريف فهو وإن حلق في جو الفصاحة وسما في جملته