وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [1] ، فلا يجشمهم [2] صعبا، ولا يكلفهم عسرا، يتأذون به، أو تتململ منه نفوسهم، فإذا صلّى بهم إماما لا يطيل في صلاته، بل يخفف كتخفيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة.
وإذا خاطبه بعضهم بعبارات جافة، لكنها فطرية لا يتغير منها، وفي جباية الزكاة يأخذ منهم ما يسهل على نفوسهم، دون ما يشق عليها، من غير تقصير في حق، وإذا أراد نهيهم عن قبيح، وإقلاعهم عن باطل سلك بهم في الزجر سبيلا سهلا، خاليا من الغلظة في القول، والقسوة في الموعظة، كالذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بال أعرابي في المسجد، وثار إليه الناس ليوقعوا به فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء» - الذنوب والسجل الدلو- «فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» [3] .
وكما تيسر على الناس في معاملتهم، ونهيهم وزجرهم؛ كذلك تيسر على النفس، فلا تكثر عليها من الطاعات حتى تسأمها وتملها، ولا تشق عليها في أداء الواجبات إذا أمكن القيام بها في يسر، فالذي يشق عليه القيام في الصلاة يتركه إلى القعود. أو يشق عليه الصوم لمرضه أو سفره أو كبره يتركه إلى الإفطار، أو يصعب عليه التوضؤ بالماء في البرد القارس ولم يتيسر له الماء الساخن يستبدل به التيمم، وهكذا يرفق بنفسه ولا يعسر عليها حتى تخرج عن أمره. ومن فهم التيسير عرف التعسير.
وإنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التعسير بعد أمره بالتيسير مع أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده تقوية وتأكيدا؛ حتى لا يبقى لمتنطع [4] علة يعتل بها لتنطعه. على أنه لو اقتصر على «يسروا» لتحقق الإمتثال بالتيسير مرة. وإن عسر مرارا. فلما قرنه بالنهي عن التعسير. والنهي يقتضي الكف عن الفعل دائما فهمنا المداومة على التيسير.
وكذلك يقال في الأمر والنهي الآخيرين.
2- وأمرهما بالتبشير؛ ونهاهما عن التنفير.
فتبدأ الناس بالأخبار السّارّة [1] سورة الحج، الآية: 78. [2] يجشمهم: جشم الأمر جشما: تكلّفه على مشقة. [3] رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم «يسرا ولا تعسرا» (6128) . [4] متنطع: تنطع في كلامه: تشدّق وغالى.