المروحة للنفوس، المزيلة للهموم، فتشحذ [1] منهم العزائم؛ وتعلو الهمم. فيقبلون على الأعمال الطيبة، فإذا دعونا جماعة إلي هذا الدين بدأناهم بذكر الثمرات التي يجنيها العبد من ورائه. فنذكر لهم العزة في الدنيا والملك والغني وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [2] . وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [3] . وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [4] ، ونذكر ما أعد الله للمؤمنين في الحياة الآخرة. مما لا عين رأت ولا أذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر، ونبين لهم سهولة الدّين، وأن شرائعه لا تثقل النفوس، ولا تحرجها، بل هي لها طهارة وسعادة وبرد وراحة وإذا وعظنا شريرا ليرعوي عن غيه رغبناه في التوبة، وعرّفناه أنها تجبّ [5] السيئات وأن أبواب الله لها مفتحة، وأن الإستقامة أجدى عليه من الإجرام، وإذا نصحنا طالبا ليجد في دروسه بيّنا له آثار الجد، وثمراته في المجدين، وما كسبوا من كبير المناصب، وعلو الجاه، وسعة الثروة، ذلك هو التبشير.
أما التنفير فجانب سبيله، فلا تبدأ من دخل الإسلام حديثا؛ ولم يتمكن من نفسه بذكر أنواع المياه، وأحكام الاستنجاء، وفروض الوضوء وسننه وآدابه؛ والغسل وأحكامه وأسبابه؛ والتيمم وأركانه ... وتستقصي في ذكر الأحكام له استقصاء حتى يرى نفسه أمام تعليمات ثقيلة وأحكام كثيرة؛ وكل هذا للصلاة وسيلة؛ فما الحال في المقاصد؟ إنها لكبيرة فينفر من الدّين بعد أن رغب فيه؛ ويهم بالنكوص [6] بعد أن خطا فيه خطوة.
وكذلك لا تنفر العاصي بأن ما أسلفه من السيئات لا توبة له منه ولا إنابة؛ ولا بد من عقابه على ما أجرم فيرجع عن الإقلاع؛ ويستمر في الإجرام؛ وكذلك لا تبدأ الطالب الكسلان بوخامة [7] العاقبة؛ وسوء النتيجة، فتفت في عضده؛ وتذهب ببقية [1] تشحذ: شحذ الهمة: قوّاها. [2] سورة المنافقون، الآية: 8. [3] سورة النور، الآية: 55. [4] سورة الطلاق، الآية: 4. [5] تجبّ: تمحو. [6] النكوص: نكص: رجع عما كان قد اعتزمه وأحجم عنه. [7] الوخامة: يقال: هذا الأمر وخيم العاقبة أي سيء.