الصلاة في غير وقتها يعرضك للإثم والعذاب، بل يعرضك لعدم قبول الصلاة منك، فإن كثيرا من المحققين على أن الصلاة لا تؤدي في غير وقتها، فإن فاتتك بؤت [1] بإثمها، ولم يكن لك مخلص من عقابها، على أنه إذا كان القضاء جائزا مع الحرمة فإن الصلاة تكون ثقيلة على النفس. إذ تضم إلى أخواتها التاليات، فيثقل الحمل، فتنوء [2] به النفس، أو تؤديه على مضض؛ أو بسرعة تفوت الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها. نعم لو نسي الإنسان صلاة. أو نام عنها. أو كان هناك عذر شرعي يبيح تأخيرها لم يكن عليك إثم في التأخير. وكان وقتها وقت الذكر. أو التيقظ. أو زوال العذر. وإذا قلنا: إن اللام للابتداء كان أفضل الأعمال أداء الصلاة في أول وقتها. إذ ذلك مبادرة إلى الخيرات. ولحاق لأول الجماعات. وتبرئة للذمة من دين الصلوات وأنك أول الملبين. المسرعين إلى مرضاة الله. والحظوة بمناجاته. فأداء الصلاة كل يوم في أوقاتها أو في أول الأوقات أفضل عند الله من سائر الأعمال الآخرى.
ثم سأله عبد الله عما يلي ذلك في المرتبة فقال له: بر الوالدين. وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم استنبط ذلك الترتيب من قوله تعالى في وصية الإنسان بوالديه أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [3] فشكر الله بالصلاة وشكر الوالدين ببرهما. وبرهما بطاعة أمرهما.
وتفقد مصالحهما والإنفاق عليهما وحسن معاملتهما، وخفض الجناح لهما. وأن تقول: رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً [4] وهل التربية. والعطف والرحمة.
والحب الطبعي. والكد [5] لراحتك. والسهر لنومك. والشقاء لسعادتك، تقابل منك إلا بالبر إلا أن تكون جحودا كفورا؟ ولا إخالك. وحسبك بيانا لمنزلة الوالدين وإشادة [6] بحقهما أن الله قرن الإحسان إليهما بالأمر بتوحيده في كثير من الآيات. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن لراغب في الجهاد إلا بعد استئذانه من أبويه. وأنه جعل السعي [1] بؤت: باء بالشيء: رجع. [2] فتنوء: تتعب من شدة ثقله. [3] سورة لقمان، الآية: 14. [4] سورة الإسراء، الآية: 24. [5] الكدّ: الشدة في العمل. والتعب. [6] إشادة: مبالغة بحقهما.