عليهما جهادا في سبيل الله [1] .
ثم سأله عبد الله عما يلي بر الوالدين. فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه الجهاد في سبيل الله. وسبيله دينه الذي شرعه. والحق الذي رسمه. وما الجهاد إلا بذل المستطاع من مال ونفس. ومركز وجاه. وقوى وتفكير. وقلم ولسان، في سبيل إعلاء كلمته. وحفظ دينه. ونشره بين الناس وتعليمه وحفظ البلاد التي يقطنها [2] الإسلام. وحفظ أهله ممن أرادهم بسوء من الأمم الغاشمة [3] . والدول المستعمرة.
التي لا ترعى فينا إلا [4] ولا ذمة. فلنستخدم كل وسيلة في سبيل إقامة الدّين. ورفع لواء القرآن والتمكين للحق في الأرض. وفي نفوس الناس عامة وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [5] .
قال عبد الله: ولو طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم الزيادة على ذلك مما هو بيان لدرجات الأعمال. أو مما يحتاج إليه المرء في دينه لزاد. لأنه إمام الإرشاد. فكيف لا يجيب السائل. ولو تابع السؤال وكان عبد الله وقف عند هذا الحد شفقة على الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصا على راحته، ويؤيد ذلك ما جاء في رواية لمسلم [6] عن عبد الله. فما تركت أن أستزيده إلا إرعاء عليه. أي شفقة عليه لئلا يسأم [7] .
وفي هذا إرشاد للطلبة والمتعلمين ألا يكثروا من الأسئلة حتى يشقوا على أساتيذهم المربين. وإرشاد للمربين أن يتقبلوا أسئلة الطلبة بصدور رحبة ولو سألوا مرارا. ما دام لم يكن في ذلك مضيعة ولا مضرة.
وكان الظاهر أن يقدّم فيه الجهاد على الصلاة لوقتها وبر الوالدين؛ لأن المشقة فيه أكبر، إذ فيه بذل المال والنفس، ولكن الجهاد واجب وقتي، والصلاة واجب دائم [1] رواه البخاري في كتاب: الجهاد والسير، باب: الجهاد بإذن الأبوين (3004) . ورواه مسلم في كتاب: الأدب، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به (6451) . [2] يقطنها: قطن في المكان: أقام به. [3] الغاشمة: الظالمة. [4] إلا: عهدا وميثاقا. [5] سورة العنكبوت، الآية: 69. [6] تقدم تخريجه ص 93 (1) . [7] يسأم: السأم: الملل والضجر.