إليه في غفران الذنوب، ووقاية شرها إلا الله وحده، ولا طريق يسلك لذلك إلا الانطراح بين يدي رب العالمين، والافتقار إليه، والتوجه بكلية العبد إليه، وإخلاص الدعاء له وحده، رغبة ورهبة، كما قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [1] .
فعلم العبد بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله يضطره إلى اللجوء إليه -تعالى- والإخلاص له، وليس هناك طريق للنجاة إلا هذا الطريق، ولهذا قيل: " إن التوحيد مفزع أولياء الله، وأعدائه" أما أولياء الله فأمرهم ظاهر، وأما أعداؤه: فكانوا إذا وقعوا في الشدائد أخلصوا الدعاء لله وحده، كما ذكر الله عنهم في القرآن، ونظر العقل يؤدي إلى هذا دائماً.
قوله: " فاغفر لي من عندك مغفرة" أي أنه لا حيلة لي ولا خلاص إلا بأن تمن علي أنت وحدك بالمغفرة، فتستر ذنوبي، وتعفو عني، وتقيني ما يترتب عليها من تبعات وشرور.
وقال: " من عندك" ليبين الاختصاص، أي أن المغفرة منك وحدك تفضل بها عليّ، بدون استحقاق، بل هي محض جودك وكرمك.
وقوله: " إنك أنت الغفور الرحيم" ختم هذا الدعاء، بهذين الاسمين الكريمين، لمناسبتهما للمطلوب، فالغفور يناسب طلب المغفرة.
والرحيم يناسب طلب التفضل والجود، وهو قريب من الأول، وهذا من معاني دعاء الله بأسمائه الحسنى.
" وقد جمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه - عز وجل - بفضله وجوده، وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم [1] الآية 135 من سورة آل عمران.