فقوله -تعالى-: {هُوَ الأَوَّلُ} هو الذي ليس قبله شيء، كما في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، ليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" [1] .
وأما قول الحافظ: " قضية الجمع بين الروايتين، تقتضي حمل هذه على رواية: "ولا شيء غيره"، لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق" (2)
فيقال له: هذا لو احتمل أن يكون الحديث صدر منه -صلى الله عليه وسلم- في مقامين، أما إذا كان في مجلس واحد، والراوي واحد، وقد أخبر أنه لم يبق إلى نهاية المجلس، بل قام لما سمع هذا القول من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولحق براحلته، فلا بد أن اللفظ الذي سمعه أحد هذه الألفاظ الثلاثة، والآخران رويا بالمعنى، فأصبح الجمع لا وجه له.
وحمل هذه الرواية على رواية " ولا شيء غيره" بلا دليل، حمل عليه التعصب للمذهب، وإلا فالواجب حملها على المعروف من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- الموافق لكلام الله -تعالى- كما تقدمت الإشارة إليه.
وأما قوله: إن هذه المسألة من مستشنع ما ينسب لابن تيمية، فقد تقدم أن هذا هو مذهب السلف، وأن ما يريد ترجيحه الحافظ هو مذهب الجهمية والمعتزلة، والأشعرية، من أهل البدع، والله أعلم.
وكلمة "كان" هنا تفيد الأزلية، والأزلية هي: ما لا بداية له.
قال الطيبي: " لفظة كان في الموضعين - يعني " كان الله" و"كان [1] تقدم تخريجه.
(2) "الفتح" (13/410) .