شيئاً محدوداً، فلو قدر أن الأرض كلها وعاء مملوء ذرات، وبعد مليون سنة تفنى ذرة واحدة فقط، لفنيت الذرات كلها، والأزل باق، بل لو فرض أضعاف أضعاف ذلك بالملايين، والمقصود بذلك التقريب إلى الفهم فقط، وإلا فالأزل ليس له بداية أبداً.
قوله: " وكان عرشه على الماء" أي: وقت خلق السموات والأرض كان عرشه على الماء، والمراد هنا الإخبار بكون العرش على الماء، عند ابتداء خلق السموات والأرض.
قال ابن خزيمة: " معنى قوله: "وكان عرشه على الماء" كقوله: {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} [1] ، يعني: أن "كان" هنا لا تدل على أن ذلك أمر قد مضى، وانقضى، بل تدل على ثبوته، فهو كان، ولا يزال على ما كان، و"ليس معنى ذلك أن شيئاً من مفعولاته قديم معه، بل هو خالق كل شيء، ولك شيء سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، مع أنه -تعالى- لم يزل بصفاته خالقاً فعالاً لما يريد".
ومن المعلوم أن الخلق صفة كمال، كما قال -تعالى-: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [2] ، فلا يجوز أن ينفك عن هذه الصفة، ولكن كل مخلوق محدث، مسبوق بالعدم، وليس مع الله شيء قديم، ولا شك أن هذا أبلغ في الكمال، من أن يكون معطلاً غير قادر على الفعل.
وأما جعل المفعول المعين مقارناً له -تعالى- أزلاً وأبداً، فهو باطل عقلاً وشرعاً، ولا يقوله إلا جاهل أو معطل.
"والأدلة على بدء خلق الأفلاك، وخلق الزمان - الذي هو مقدار حركة الفلك - كثيرة، أخبرت بها الرسل، كما أخبرت أنها خلقت من مادة موجودة قبلها، وفي زمان قبل هذا الزمان، فإن الله -تعالى- أخبر أنه خلق السموات [1] كتاب "التوحيد" (ص103) . [2] الآية 17 من سورة النحل.