الذي بين للناس ما نزل إليهم - يعلم أن المراد بالكلام خلاف مقتضاه وظاهره، وجب عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرده، ولا سيما إذا كان ذلك المعنى باطلاً، ولا يجوز اعتقاده في الله -تعالى-، وهذا يجب ولو لم يخاطبهم بما يفهم منه خلاف الحق، الذي يجب اعتقاده، إذا كان مخوفاً عليهم، فكيف إذا كان في كلامه ما يفهم منه خلاف الحق" [1] .
فلا عذر لمن أنكر علو الله، ونفاة العلو والصفات، يقولون: إن هذه النصوص لم يرد بها الحقيقة والظاهر المفهوم منها، والقرينة الصارفة عن ذلك هي دلالة العقل، فاكتفى المتكلم بهذه القرينة؛ لأنها عقلية، عند كل عاقل.
فيقال لهم: إذا كان ما تكلم به الله ورسوله، إنما يفيد مجرد الضلال، والهدى إنما يستفاد من العقول، فلماذا ينزل الله الكتاب، ويرسل الرسول؟ للعناء والشقاء؟ فإن تركهم على جاهليتهم خير لهم من أن ينزل عليهم الكتاب، ويرسل إليهم الرسول، هذا هو لازم هذا القول الباطل.
ويقال أيضاً: الرسول جاء بإثبات العلو، والصفات، وذلك أظهر في العقل من قولكم.
ثم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما أن يتكلم بالهدى، أو بالضلال، أو يسكت عنهما.
ومعلوم أن السكوت عنهما خير من التكلم بالضلال.
وبذلك يعلم بالعقل، أنه لم يسكت عن بيان الحق، والهدى، والتحذير من اعتقاده الباطل، وبذلك يتفق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع العقل الصحيح، الذي لم تفسده الشياطين، والهوى المضل.
فالعقل يوافق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ما يقوله نفاة الصفات،
(1) "مجموع الفتاوى" (5/164-168) ملخصاً.