لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. قال: تعوذوا بالله من عذاب القبر. قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال. قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال)) رواه مسلم.
{الفصل الثاني}
130- (6) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجه هذا التلازم أن الكشف عن ذلك العذاب يؤدي جهلة العامة إلى ترك التدافن خوفاً عليهم منه، ويؤدي الخاصة إلى اختلاط عقولهم، وانخلاع قلوبهم من تصور ذلك الهول العظيم، فلا يقربون جيفة ميت، أي لفقدان العقول، وانخلاغ القلوب. وبهذا التفصيل الذي ذكرته يندفع ما قيل: كيف يليق بمؤمن أن يترك الدفن المأمور به حذراً من عذاب القبر؟ بل يلزمه أن يعتقد أن الله إذا أراد تعذيب أحد عذبه ولو في بطن الحيتان وحواصل الطيور – انتهى. (أن يسمعكم) من الإسماع مفعول ثان على تضمين سألته. (من عذاب القبر) من تبعيضية أو زائدة (الذي أسمع منه) أي الذي أسمعه من القبر. وقيل: أي مثل الذي أسمعه، مفعول ثان ليسمع (من عذاب النار) قدم عذاب النار في الذكر مع أن عذاب القبر مقدم في الوجود؛ لكونه أشد وأبقى وأعظم وأقوى. (من الفتن) جمع فتنة وهي الامتحان، وتستعمل في المكر والبلاء وهو تعميم بعد تخصيص (ما ظهر منها وما بطن) بدل من الفتن، وهو عبارة عن شمولها؛ لأن الفتنة لا تخلو منهما، أي ما جهر وما أسر. وقيل: ما يجري على ظاهر الإنسان وما يكون في القلب من الشرك، والرياء والحسد، وغير ذلك من مذموماًت الخواطر التي تجر إلى عذاب القبر، أو إلى عذاب النار (من فتنة الدجال) خص فإنه أكبر الفتن حيث يجر إلى الكفر المفضي إلى العذاب المخلد. (رواه مسلم) في صفة النار، وأخرجه أيضاً أحمد.
130- قوله: (إذا قبر الميت) أي دفن وهو قيد غالبي، وإلا فالسؤال يشمل الأموات جميعها (أزرقان) أعينهما. زاد الطبراني: أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد. ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار، وزاد: يحفران بأنيابهما، ويطأان في أشعارهما، معهما مرزبة لو اجتمع أهل منى لم يقلوها. وإنما يبعثهما الله على هذه الصفة لما في هذه الأوصاف من الهول والوحشة، ويكون خوفهما على الكفار أشد فيتحيروا في الجواب، وأما المؤمنون فلهم في ذلك ابتلاء فيثبتهم الله. (المنكر) مفعول من أنكر بمعنى نكر إذا لم يعرف أحداً.