قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مذكوراً بذلك فيهم، وفضائله ومناقبه كثيرة جداً، قال الخزرجي: له تسعة وثلاثون حديثاً، اتفقا على ثلاثة، وانفرد البخاري بطرف حديث، ومسلم بحديثين، مات بمصر سنة (43) وله (90) سنة، ودفن بالمقطم، وخلف أموالاً جزيلة، واعلم أنهم اختلفوا في لفظ العاصي المذكور هل هو بالياء أو بدونها؟ قال الزرقاني في شرح الموطأ: بالياء وبحذفها والصحيح بالياء، وقال في شرح المواهب: العاص بالياء وحذفها، والصحيح الأول عند أهل العربية، وهو قول الجمهور كما قال النووي وغيره، وفي تبصير المنتبه قال النحاس: سمعت الأخفش يقول: سمعت المبرد يقول: هو بالياء لا يجوز حذفها، وقد لهجت العامة بحذفها، قال النحاس: هذا مخالف لجميع النحاة يعني أنه من الأسماء المنقوصة فيجوز فيه إثبات الياء وحذفها، كذا في التعليق الممجد، وقال القاري: الأصح عدم ثبوت الياء إما تخفيفاً أو بناءً على أنه أجوف، ويدل عليه ما في القاموس: الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر، وهم العاص وأبوالعاص والعيص وأبوالعيص، فعلى هذا لا يجوز كتابة العاص بالياء ولا قراءته بها لا وقفاً ولا وصلاً، فإنه معتل العين، بخلاف ما يتوهم بعض الناس أنه اسم فاعل من عصى، فحينئذٍ يجوز إثبات الياء وحذفه وقفاً ووصلاً بناءً على أنه معتل اللام – انتهى. (ابسط يمينك) أي افتحها ومدها (فلأبايعك) بكسر اللام وفتح العين على الصحيح، والتقدير لأبايعك تعليلاً للأمر والفاء مقحمة، وقيل: بضم العين، والتقدير فأنا أبايعك، وأقحم اللام توكيداً، ويحتمل وجوهاً أخرى، ذكرها القاري، (فقبضت يدي) بسكون الياء وتفتح أي إلى جهتي (ما لك يا عمرو) أي أيّ شيء خطر لك حتى امتنعت عن البيعة (أردت أن أشترط) مفعوله محذوف أي شرطاً أو شيئاً يحصل لي به الانتفاع (قال: تشترط ماذا) قيل: حق ماذا أن يكون مقدماً على تشترط؛ لأنه يتضمن معنى الاستفهام وهو يقتضي الصدارة، فحذف ماذا وأعيد بعد تشترط تفسيراً للمحذوف، وقيل: كأنه – عليه الصلاة والسلام – لم يستحسن منه الاشتراط في الإيمان، فقال: أتشترط؟ إنكاراً فحذف الهمزة ثم ابتدأ فقال: ماذا، أي ما الذي تشترط أو أي شيء تشترط، وقال المالكي في قول عائشة: أقول ماذا شاهد؟ على أن ما الاستفهامية إذا ركبت مع ذا تفارق وجوب التصدير فيعمل فيها ما قبلها رفعاً ونصباً، فالرفع كقولك "كان ماذا"، والنصب كما في الحديث (أن يغفر لي) بالبناء للمفعول، وقيل: للفاعل أي الله (أما علمت يا عمرو) أي من حقك مع رزانة عقلك وجودة رأيك وكمال حذقك أن لا يكون خفي عن علمك (أن الإسلام) أي إسلام الحربي؛ لأن إسلام الذي لا يسقط شيئاً من حقوق العباد، قاله القاري (يهدم) بكسر الدال أي يمحو ويسقط (ما كان قبله) من الكفر والمعاصي مطلقاً مظلمة كانت أو غيرها صغيرة أو كبيرة (وأن الهجرة) من دار الحرب إلى دار الإسلام