responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 106
الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا. (قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَةُ نَبِيِّ اللَّهِ بِالْإِخْبَارِ كَمُنَاسَبَةِ الرِّسَالَةِ بِالدَّلَالَةِ (فَأَخَذَ) أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِلِسَانِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: الْبَاءُ لِتَضْمِينِ مَعْنَى التَّعَلُّقِ (وَقَالَ: كُفَّ) الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ امْنَعْ (عَلَيْكَ هَذَا) : إِشَارَةٌ إِلَى اللِّسَانِ أَيْ لِسَانَكَ الْمُشَافِهَ لَهُ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمَنْصُوبِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَتَعْدِيَتُهُ بِـ " عَلَى " لِلتَّضْمِينِ أَوْ بِمَعْنَى " عَنْ "، وَإِيرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِمَزِيدِ التَّعْيِينِ أَوْ لِلتَّحْقِيرِ، وَهُوَ مَفْعُولُ كُفَّ، وَإِنَّمَا أَخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلِسَانِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اكْتِفَاءٍ بِالْقَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللِّسَانِ صَعْبٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تَتَكَلَّمْ بِمَا لَا يَعْنِيكَ؛ فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَلِكَثْرَةِ الْكَلَامِ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى، وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِقْصَاءَ فَعَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ، وَلِذَا قَالَ الصِّدِّيقُ: لَيْتَنِي كَنْتُ أَخْرَسَ إِلَّا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. (قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ) : أَتَقُولُ هَذَا؟ . (وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ) بِالْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ، أَيْ هَلْ يُؤَاخِذُنَا وَيُعَاقِبُنَا أَوْ يُحَاسِبُنَا رَبُّنَا (بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟) : يَعْنِي بِجَمِيعِهِ، إِذْ لَا يَخْفَى عَلَى مُعَاذٍ الْمُؤَاخَذَةَ بِبَعْضِ الْكَلَامِ (قَالَ) أَيْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ (يَا مُعَاذُ) أَيْ فَقَدْتُكَ، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُرَادُ وُقُوعُهُ، بَلْ هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَنْبِيهٌ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَتَعْجِيبٌ وَتَعْظِيمٌ لِلْأَمْرِ، (وَهَلْ يَكُبُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ مِنْ كَبَّهُ، إِذَا صَرَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ، بِخِلَافِ أَكَبَّ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: هَلْ تَظُنُّ غَيْرَ مَا قُلْتُ؟ وَهَلْ يَكُبُّ (النَّاسَ) أَيْ يُلْقِيهِمْ وَيُسْقِطُهُمْ وَيَصْرَعُهُمْ ( «فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ» ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْمَنْخِرُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا - ثَقْبُ الْأَنْفِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَنْفُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلنَّفْيِ، خَصَّهُمَا بِالْكَبِّ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ الْأَعْضَاءِ سُقُوطًا (إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) أَيْ مَحْصُودَاتُهَا، شَبَّهَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالزَّرْعِ الْمَحْصُودِ بِالْمِنْجَلِ، وَهُوَ مِنْ بَلَاغَةِ النُّبُوَّةِ، فَكَمَا أَنَّ الْمِنْجَلَ يَقْطَعُ وَلَا يُمَيِّزُ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ، فَكَذَلِكَ لِسَانُ بَعْضِ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْكَلَامِ حَسَنًا وَقَبِيحًا، وَالْمَعْنَى لَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْقَذْفِ، وَالشَّتْمِ، وَالْغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَالْبُهْتَانِ، وَنَحْوِهَا. وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ وَارِدٌ عَلَى الْأَغْلَبِ أَيْ عَلَى الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّكَ إِذَا جَرَّبْتَ لَمْ تَجْدِ أَحَدًا حَفِظَ لِسَانَهُ عَنِ السُّوءِ، وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ شَيْءٍ يُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ إِلَّا نَادِرًا، وَلَعَمْرُكَ إِنَّ هَذِهِ الْخَاتِمَةَ فَاتِحَةُ السَّعَادَةِ الْكُبْرَى، فَائِحَةٌ مِنْهَا نَسَائِمُ الْكَرَامَةِ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّرِيعَةِ فَكَفُّ اللِّسَانِ نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى حِفْظِهَا، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الطَّرِيقَةِ فَهُوَ الرُّكْنُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ وَالْقُطْبُ الْمُدَارُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا سَكَتَ اللِّسَانُ نَطَقَ الْقَلْبُ، وَيَحْصُلُ لَهُ الْمُسَامَرَةُ مَعَ الرَّبِّ، وَيُمْطِرُ عَلَيْهِ سَحَائِبَ الرَّحْمَةِ بِقَطَرَاتِ النُّورِ، وَيَمْتَلِئُ مِنَ الْخُيُورِ وَالْحُبُورِ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ نِهَايَةُ مَرَاتِبِ السَّالِكِينَ وَغَايَةُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ؛ وَلِذَا وَرَدَ: مَنْ عَرَفَ اللَّهَ كَلَّ لِسَانُهُ، أَيْ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَكَلَّ لِسَانُهُ عَنْ مَقَامِ الدَّعْوَى، وَهُوَ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ، وَكَلَّ لِسَانُهُ عَنْ نَشْرِ حَالَةِ وَبَيَانِ مَقَامِهِ، وَهُوَ مَقَامُ صَوْلَةِ الْمَحَبَّةِ، وَعَنْ وَصْفِ اللَّهِ وَثَنَائِهِ، وَهُوَ مَقَامُ الْحَيْرَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَقْصَى الدُّنُوِّ لَمَّا رَأَى الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَفَنَى عَنِ الصِّفَاتِ فِي الذَّاتِ، وَوَجَدَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَقَاءَ: ( «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» ) ؛ لِأَنَّ ثَنَاءَهُ يَصْدُرُ عَنِ الْحُدُوثِيَّةِ، وَثَنَاءُ الْخَلِيقَةِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِمْ، ثُمَّ قَطَعَ لِسَانَ الثَّنَاءِ بِمِقْرَاضِ التَّنْزِيهِ عَجْزًا فِي جَلَالِ الْأَبَدِ، وَأَضَافَ ثَنَاءَهُ تَعَالَى إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ: ( «أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ) ، وَفِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ:
احْفَظْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ... لَا يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ ... كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

30 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
30 - (وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَفْخِيمِ الْمِيمِ، بَاهِلِيٌّ سَكَنَ بِمِصْرَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حِمْصَ وَمَاتَ بِهَا، وَكَانَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَكْثَرُ حَدِيثِهِ عَنِ الشَّامِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، مَاتَ بِسَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعُونَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَحَبَّ) أَيْ شَيْئًا أَوْ شَخْصًا، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِيَذْهَبَ الْوَهْمُ كُلَّ مَذْهَبٍ (لِلَّهِ) : لَا لِغَرَضٍ سِوَاهُ، وَلَا لِشَهْوَةِ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست