responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 288
الْأَعْلَى، بَلِ الْفَرَحُ بِالْبَقَاءِ وَالدُّخُولِ تَحْتَ الْفَنَاءِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّاهُوتِ وَالتَّبَرُّؤِ مِنَ النَّاسُوتِ، وَهَذَا مَقَامٌ يَضِيقُ عَنْ إِعْلَانِهِ نِطَاقُ النُّطْقِ وَلَا يَسَعُ إِظْهَارُهُ فِي ظُهُورِ الْحُرُوفِ وَإِنَّ قَمِيصًا خِيطَ مِنْ نَسْجِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا مِنْ مَعَانِيهِ قَاصِرٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوَالِيَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ ذِكْرِهِ، فَإِنِ اسْتَلَذَّ بِالذِّكْرِ فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الْقُرْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى مَجَالِسِ الْأُنْسِ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ عَلَى كُرْسِيِّ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ رَفَعَ عَنْهُ الْحِجَابَ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْفَرْدَانِيَّةِ، وَكَشَفَ لَهُ حِجَابَ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ بَقِيَ بِلَا هُوَ، فَحِينَئِذٍ صَارَ الْعَبْدُ زَمَنًا فَانِيًا فِي حِفْظِ سَبَحَاتِهِ وَبَرِئَ مِنْ دَعَاوَى نَفْسِهِ (وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) : أَيِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُبَاهَاةِ بِهِمْ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبِيدِي يَذْكُرُونِي وَيَقْرَءُونَ كِتَابِي (وَمَنْ بَطَّأَ) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ مِنَ التَّبْطِئَةِ ضِدِّ التَّعَجُّلِ كَالْإِبْطَاءِ، وَالْبُطْءُ نَقِيضُ السُّرْعَةِ وَالْبَاءُ فِي (بِهِ) : لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ: مَنْ أَخَّرَهُ وَجَعَلَهُ بَطِيئًا عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ السَّعَادَةِ (عَمَلُهُ) : السَّيِّئُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ تَفْرِيطُهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الدُّنْيَا (لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) . مِنَ الْإِسْرَاعِ أَيْ: لَمْ يُقَدِّمْهُ نَسَبُهُ، يَعْنِي: لَمْ يُجْبِرْ نَقِيصَتَهُ لِكَوْنِهِ نَسِيبًا فِي قَوْمِهِ، إِذْ لَا يَحْصُلُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّسَبِ بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا أَنْسَابَ لَهُمْ يُتَفَاخَرُ بِهَا، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مَوَالٍ، وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ وَيَنَابِيعُ الرَّحْمَةِ وَذَوُو الْأَنْسَابِ الْعَلِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ جَهْلِهِمْ نِسْيًا مَنْسِيًّا، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» " وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ مُحَمَّدٍ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ائْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالِكُمْ لَا بِأَنْسَابِكُمْ فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» " وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ أَنَّ مُرِيدًا لَهُ تَتَبَّعَ خُطَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ قَائِلًا: وَاللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ سَلَخْتَ جِلْدَ أَبِي يَزِيدَ وَلَبِسْتَهُ لَمْ تَنَلْ مِثْقَالَ خَرْدَلٍ مِنْ مَقَامَاتِهِ مَا لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهُ وَأَنْشَدَ:
مَا بَالُ نَفْسِكَ أَنْ تَرْضَى تُدَنِّسُهَا ... وَثَوْبُ جِسْمِكَ مَغْسُولٌ مِنَ الدَّنَسِ
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ: بِهَذَا اللَّفْظِ.

205 - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنْ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا، قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: إِنَّكَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ ; فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
205 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى عَلَيْهِ) : قِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْمَعْنَى، أَيْ: يُحَاسَبُ وَيُسْأَلُ عَنْ أَفْعَالِهِ قَبْلُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِمْ لَا مُطْلَقًا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ: ثَلَاثَةٌ (رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ: قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَأَتَى بِهِ) أَيْ: بِالرَّجُلِ لِلْحِسَابِ (فَعَرَّفَهُ) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: ذَكَّرَهُ تَعَالَى (نِعْمَتَهُ) : عَلَى صِيغَةِ الْمُفْرَدِ هَاهُنَا، وَالْبَاقِيَتَانِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ هَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي الرِّيَاضِ لِلنَّوَوِيِّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ اعْتِبَارُ الْإِفْرَادِ فِي الْأُولَى وَالْكَثْرَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْكَثْرَةِ أَصْنَافُ الْعُلُومِ وَالْأَمْوَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ نِعْمَةَ الشَّهَادَةِ كَمَا يُتَوَهَّمُ فَإِنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ مَا بَعْدَهُ، بَلِ الْمُرَادُ إِفْرَادُ جِنْسِيَّةِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ لِلْعُمُومِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِنَّهُ جُمِعَ فِيهِمَا لِإِرَادَةِ الْأَنْوَاعِ، أَوْ أَفْرَدَ فِي الْأَوَّلِ لِنِعْمَتِهِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِنَّهُ انْضَمَّ مَعَهَا النِّعْمَةُ الْمَالِيَّةُ أَوِ الْعِلْمِيَّةُ (فَعَرَفَهَا) : بِالتَّخْفِيفِ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 1  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست