وهذه النتيجة خرجنا بها بيقين لا يُساوره شك.
فإن أردنا فَْم كلام ابن عبد البر، أُذكّر أولاً بأمور:
أن ابن عبد البر ذكر شرط اللقاء قائلاً: ((لقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدةً)) ، وسبق في أول المبحث بيان أن مسلمًا لا يُعارض في اشتراط اللقاء والسماع، إنما يعارض مسلم في اشتراط الوقوف على نصّ صريح دال على اللقاء أو السماع. وعليه فإن كلامَ ابن عبد البر لا يكون دالاًّ على اشتراط العلم باللقاء، بمجرّد اشتراط اللقاء، إذ لا يكون كلامُه دالاًّ على اشتراط العلم إلا إذا قال مثلاً: والعلم صراحةً أو تنصيصًا بلقاء بعضهم بعضًا. .
إذن ما هو مقصود ابن عبد البر من ذلك الشرط، فأقول: إن مقصوده به: المعاصرة مع وجودِ دلائلِ اللقاء وعدمِ وجودِ قرائنَ على عدمه، لأن هذا هو شرطُ مسلم كما تقدّم، فلا تكفي المعاصرةُ إلا مع عدم وجود ما يشهد لعدم اللقاء، وعند حصول ذلك تكون عنعنةُ ذلك الراوي محمولةً على اللقاء والسماع والمشاهدة بالإجماع.
إذن فكأن ابن عبد البر قال: إنه يقبل الحديث المعنعن بشرط ثقة رواته، وعدم قيام قرائن تغلِّبُ نَفْيَ اللقاء وتدل على عدم وقوعه، مع السلامة من التدليس.
ويؤكّد هذا المعنى قوله في كلامه السابق: ((ومن الدليل على أن (عن) محمولةٌ عند أهل العلم بالحديث على الاتّصال حتى يتبيّن الانقطاع فيها. . . (وذكر قصة الوليد بن مسلم، ثم قال) : فهذا بيان أن (عن) ظاهرها الاتصال، حتى يثبت فيها غير هذا)) .