فهذا النصّ بيّنَ ابن عبد البر فيه متى يتوقّف عن قبول (العنعنة) ، بأنّه إذا تبيّن الانقطاع وثبت.
فهل رواية المعاصر عمن لم يذكر سماعَه منه يتبيّن فيها الانقطاع ويثبت، حتى عند مشترط العلم باللقاء؟ أم أنها متوقّفٌ في الحكم عليها بالاتصال، وأنها -ولا شك- لاتبلغ درجة بيان الانقطاع وثبوته.
إذن فابن عبد البر إنما يحترز في الإسناد المعنعن من أن تأتي دلائل تدل أو تشهد على الانقطاع، ويدل على ذلك المثال الذي ذكره. فإن لم يأت ما يدل على الانقطاع، وبالتالي وُجدت قرائن تشهد على الاتصال، فعندها يحكم بالقبول، لأن هذا الإسناد المعنعن دلّ على المشاهدة واللقاء والمجالسة.
وأخيرًا نستمرّ في استجلاب ما يبلغ بنا بَرْدَ اليقين، بالنظر في تطبيقات ابن عبد البر، الدالة على اكتفائه بالمعاصرة، وهي بالغة الكثرة.
قال في التمهيد (16/ 219) : ((طاوس سماعه من صفوان بن أمية ممكن، لأنه أدرك زمن عثمان)) .
وذكر ابن عبد البر في التمهيد (16/ 328) حديثًا من رواية عُبيدالله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العيدين، ثم قال: ((قد زعم بعض أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث منقطع، لأن عبيد الله لم يلق عمر. وقال غيره: هو متصل مسند، ولقاء عبيد الله لأبي واقد الليثي غير مدفوع، وقد سمع عبيد الله من جماعة من الصحابة)) .