فتخترمه، وذلك في سنة: 390هـ، ولغلامه من العمر عشر سنين إلا أيامًا[1].
ويشاء الله -تعالى- أن يعيش الغلام هذه الفترة يتيمًا، ولعل ذلك سر من أسرار نبوغه وتفوقه، إذ إن كثيرًا من العباقرة والأفذاذ ينشئون غالبًا يتامى؛ ليتمرنوا على شظف العيش وقسوة الحياة؛ ليخرجوا بعد هذه المعاناة، وهم أشد ما يكونون صلابة عود ومضاء عزيمة.
ولكن أباه قبل أن يفارق الدنيا أوصى بتربية ابنه والقيام بشئونه إلى رجل يعرف بالحربي، كان يسكن بحي في بغداد يقال له: "دار القز"، فانتقل الصبي إلى مكان وصيه بعد أن كان يسكن "باب الطاق" -حي من أحياء بغداد أيضًا.
وفي "دار القز" هذا، كان فيه رجل صالح، يعرف: بابن مفرحة المقرئ، كان يقرئ القرآن في مسجد بهذا الحي، ويلقن طلابه بعض العبارات من "مختصر الخرقي" فقصده الصبي، وتلقى عنه ما كان يستطيع ذلك المقرئ أداءه، ولكن التلميذ طلب من معلمه الزيادة فأجابه بأسلوب المتواضع العارف قدر نفسه: "هذا القدر الذي أحسنته، فإن أردت زيادة، فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد، فإنه شيخ هذه الطائفة"[2].
وينتهي هذا الطور من حياة هذا الغلام؛ لينتقل إلى الطور الثاني، وهو طور اتصاله بالشيخ أبي عبد الله الحسن بن حامد الحنبلي وتفقهه عليه.
كان الشيخ ابن حامد -رحمه الله تعالى- إمام الحنابلة في عصره في
1 "سير أعلام النبلاء" الورقة "168/ أ" الجزء الحادي عشر، و"طبقات الحنابلة" "2/ 194". [2] طبقات الحنابلة "2/ 194.