وأما أصول الفقه فهو: عبارة عما تبنى عليه مسائل الفقه، وتعلم أحكامها به؛ لأن أصل الشيء ما تعلق به وعرف منه، إما باستخراج أو تنبيه[1]. فسميت هذه الأصول بهذا الاسم؛ لأن بها يتوصل إلى العلم بغيرها، فتكون أصلا له، فلا يجوز أن يقال: إن [الكلام في] أصول الفقه هو: الكلام في أدلة الفقه؛ لأن من ذكر الدلالة على إثبات صيغة العموم لا يقال: إنه ذكر دليلًا في الفقه، وإنما أدلة الفقه: عبارة عن استعمال ألفاظ العموم وطرق الاجتهاد. والكلام في أصول الفقه ما يدل على إثبات مقتضى هذه الأشياء وموجبها وصحتها وفسادها، ولا يجوز أن تعلم هذه الأصول قبل النظر في الفروع؛ لأن من لم يعتد طرق الفروع والتصرف فيها، لا يمكنه الوقوف على ما يبتغي بهذه الأصول من الاستدلال والتصرف في وجوه القياس والمواضع التي يقصد بالكلام إليها، ولهذا يوجد أكثر من ينفرد بعلم الكلام دون الفروع مقصرًا في هذا الباب، وإن كان يعرف طرق هذه الأصول وأدلتها[2]. [1] نقل الطوفي كلام القاضي هذا وتعقبه بقوله: "قلت: ما ذكره في أصول الفقه صحيح. أما قوله: أصل الشيء ما تعلق به، فليس بجيد، إذ قد يتعلق الشيء بما ليس أصلا له، كتعلق الحبل بالوتد في المحسوسات، وتعلق السبب بالمسبب والعلة بالمعلول في المعقولات". انظر شرح مختصر الروضة، الجزء الأول، الورقة "21/ أ".
وعرَّف أبو الحسين البصري "الأصل" بقوله: "فأما قولنا: أصول، فإنه يفيد في اللغة، ما يبتنى عليه غيره ويتفرع عليه" "المعتمد" "1/ 9".
وعرَّفه الآمدي بقوله: "فأما أصول الفقه، فاعلم أن أصل كل شيء هو ما يستند تحقق ذلك الشيء إليه" "الإحكام" "1/ 8".
أما "الأصل" في اصطلاح الأصوليين فله أربعة معانٍ: الدليل، والرجحان، والقاعدة المستمرة، والمقيس عليه. انظر "شرح تنقيح الفصول" "ص: 15"، و"شرح الكوكب المنير" "ص: 10" و"كشاف اصطلاح الفنون" "1/ 85". [2] هذا رأي المؤلف، إلا أن بعض العلماء، كابن عقيل -مثلا- يرى أن معرفة الأصول أولى بالتقديم من معرفة الفروع؛ لأن الفروع تنبني عليها. راجع "الْمُسَوَّدَة" لآل تيمية "ص: 571" و"شرح الكوكب المنير"ص: 14".