قوله تعالى: {الْمُحْصَنَاتِ} أن الذين يرمون المحصنات لا تثبت عليهم تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... } الآية. قالوا: وفي بعض الروايات لحديث الإفك أن علياً ضرب بريرة لتخبر بالحقيقة عن عائشة، وضربه لها مصلحة مرسلة، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن حجر أن رواية الضرب المذكورة جاءت من رواية أبي أوس وابن إسحاق، قلت: وقد ثبت في صحيح مسلم ما لفظه: "فانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول صلى الله عليه وسلم" الحديث، وبريرة مسلمة، وانتهراها من غير ذنب أذى لها بلا موجب، وأذى المسلم حرام وكان مستند من انتهرها هو مطلق المصلحة المرسلة، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فهو تقرير منه للعمل بالمصلحة المرسلة في الجملة[1].
واحتج مالك للعمل بالمصالح المرسلة بأن الصحابة كانوا يعملون بها من غير أن يخالف أحد، قال علماء المالكية ومن أمثلة ذلك:
نقط المصحف، وشكله، وكتابته، لأجل حفظه في الأوليين من التصحيف، وفي الثالث من الذهاب والنسيان، قالوا: ومن أمثلة ذلك حرق عثمان رضي الله عنه للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف. قالوا: ومن أمثلة تولية أبي بكر لعمر لأنه لا مستند له فيها إلا المصلحة المرسلة على التحقيق، وقول بعضهم إنه من القياس خلاف الظاهر، يعنون قياس العهد على العقد.
وقالوا: ومنه ترك عمر الخلافة شورى بين ستة لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، وقالوا ومن أمثلة ذلك هدم عثمان وغيره الدور المجاورة للمسجد عند ضيق المسجد لأجل مصلحة توسعته. [1] وفي غزوة خيبر لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم كنانة بن الربيع عن المال الذي خرج به من المدينة وهو كثير فقال كنانة قد أكلته الأيام فقال النبي صلى الله عليه وسلم المال كثير والزمن قليل ووكل أمره إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه فحبسه فأقره بالمال من خربة كان قد دفنه فيها.