المذهب الثالث:
القول بحمل المطلق على المقيد بطريق القياس المستجمع لشروطه وأركانه، وهو قول المحققين من الشافعية1
1 الأحكام للآمدي 3/ 4، ومنتهى السول له أيضاً ص: 55، والمحصول للرازي مخطوط.
وقد صحح هذا القول الآمدي وفخر الإسلام الرازي وأتباعهما كما نقل ذلك الأسنوي في التمهيد ص: 415 حيث روى عن الآمدي أنه قال: "هو الأظهر من مذهبه أي: إن الأظهر من مذهب الشافعي الحمل بطريق القياس"، وقال الرازي: "هو القول المعتدل، وهو مذهب المحققين منا ثم قال: ولا ندعي وجوب هذا القياس، بل ندعي أنه إن حصل القياس الصحيح ثبت التقييد وإلا فلا".
المحصول للرازي مخطوط.
وقد قال الإمام الشافعي نفسه: "إذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة، ولا يجزئه على غير دين الإسلام، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} في القتل الخطأ، فكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل، والله أعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة إلا مؤمنة، كما شرط الله سبحانه وتعالى العدل في الشهادة في موضعين، وأطلق الشهود في ثلاثة مواضع، فلما كانت شهادة كلها اكتفينا بشرط الله عز وجل فيما شرط فيه، واستدللنا على أن ما أطلق من الشهادات - إن شاء الله - على مثل معنى ما شرط، وإنما رد الله عز وجل أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين. فمن أعتق في ظهار غير مؤمنة، فلا يجزئه، وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة.
الأم للشافعي 5/280، فحمل المطلق على المقيد قياساً هو مذهب المحققين من الشافعية، وهو الأظهر من كلام الشافعي، لأن قوله: وكان شرط الله عز وجل في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل على أنه لا يجزئه رقبة في الكفارة إلا مؤمنة، وقوله: واستدللنا على أن ما أطلق من الشهادات على مثل معنى ما شرط، ظاهر في أن الإمام الشافعي أراد الحمل من طريق القياس يؤيد هذا الفهم ما نقله الغزالي عن الشافعي حيث يقول: قال الشافعي: "إن قام دليل حمل عليه ولم يكن فيه إلا تخصيص العموم، وهذا هو الطريق الصحيح"، المستصفى مطبوع مع مسلم الثبوت 2/186.