الثاني: (أم الشر) دليل آخر على تقدير المحذوف وتعينه.
ثم قالوا: إن القرآن نزل باللغة العربية موافقاً لقوانين العرب في كلامها.
وقد علمنا من كلامهم أنهم يطلقون اللفظ في موضع ويقيدونه في موضع آخر، ويكون المراد من المطلق المقيد وقد وجد هذا الأسلوب في القرآن فعلاً[1]، قال تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [2]، والتقدير والحافظات فروجهن والذاكرات الله كثيراً.
وقال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [3]، والتقدير: وعن اليمين قعيد.
والجواب أن ذلك كله مُسَلَّم، ولكن بعد إقامة الدليل على إرادة التقييد ونصب القرينة التي تعين المحذوف، وما ذكر من الآيات القرآنية ومن الأمثلة الشرعية، قد قام الدليل على إرادة المحذوف وتعينه فيها، فهو في البيت الأول العطف حيث عطف (وأنت بما عندك راضي) على قوله، نحن بما عندنا، فدل ذلك على أن التقدير: (نحن بما عندنا راضوان) . [1] المرجع الأسبق لوحة 131، والعدة لأبي يعلى في أصول الفقه 2/640. [2] سورة الأحزاب آية: 35. [3] سورة ق آية: 17.