الفصل السادس في ذكر أدلة مذهب الإمام الشافعي - رحمه الله - وبيان موقفه من الأخذ بالمناسب المرسل
تمهيد
تقدمت نسبة المذهب الثالث للشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله وأنه يشترط لاعتبار المناسب المرسل: المناسبة وعدم البعد عن شهادة النصوص له.
ومما هو معلوم أنه لم يرد في أصول مذهب كل من الإمامين عدم الأخذ بالمناسب المرسل أصلاً مستقلاً لبناء الأحكام عليه، بل إنهما إنما اعتمدا في بناء الأحكام واستنباطها على الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم.
أمام أبو حنيفة فسيأتي بيان أصول مذهبه في الفصل الآتي بعد هذا.
وأما الشافعي فإنه قد دون أصول مذهبه التي اعتمد عليها في الاستنباط وبناء الأحكام، وألزم نفسه بها، فهو الوحيد الذي ألف أصول مذهبه من بين الأئمة، بل هو أول من ألف في هذا الفن كتاباً مستقلاً على أرجح أقوال أهل الأصول، وإن كان بعضهم صرح بأسبقيته قال صاحب المراقي:
أول من ألفه في الكتب ... محمد بن شافع المطلب
وغيره كان له سليقه ... مثل الذي للعرب من خليقه
يعني أن أول من ألف علم الأصول في كتاب حتى صار فناً مستقلاً هو الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، ألفه في كتابه الرسالة الموجود بأيدينا وغير الشافعي من المجتهدين كالصحابة فمن بعدهم كانت معرفتهم لعلم أصول الفقه سليقة مركوزة في طبيعته كما كان علم العربية من نحو ولغة وتصريف وغيرها طبيعة في فطرهم"[1]. [1] انظر: نشر البنود شرح مراقي السعود 2/19.