بأمثالها، وما كانوا يطلبون الأصول في وجوه الرأي، فإن كان الاقتداء بهم فالمعاني كافية، وإن كان التعلق بالأصول فهي غير دالة ومعانيها غير منصوصة.
ومن تتبع كلام الشافعي لم يره متعلقاً بأصل، ولكنه ينوط الأحكام بالمعاني المرسلة، فإن عدمها التفت إلى الأصول مشبهاً كدأبه إذ قال طهارتان فكيف يفترقان؟ [1].
ثم بين أن الشافعي يشترط في قبول المصلحة المرسلة أن تكون شبيهة بالمصالح المعتبرة، فيقول: "وقد ثبتت أصول معللة اتفق القائسون على عللها، فقال الشافعي: أتخذ تلك العلل معتصمي وأجعل الاستدلالات قريبة منها، وإن لم تكن أعيانها حتى كأنها مثلاً أصول، والاستدلال معتبر بها، أو اعتبار المعنى بالمعنى تقريباً أولى من اعتبار صورة بمعنى جامع، فإن متعلق الخصم من صورة الأصل معناها لا حكمها، فإذا قرب معنى المجتهد والمستدل فيما يجتهد إلى الشرع، ولم يرده أصل كان استدلالاً مقبولاً[2].
ووجه الاستدلال هنا في كلام إمام الحرمين على اعتبار الشافعي المناسب المرسل أصلاً من أصول الاستنباط في بناء الأحكام عليه هو: أنه لا تخلو حادثة عن حكم الله تعالى مع كثرة الحوادث وتجددها قطعاً، ويستدل لذلك بأن الأئمة السابقين لم يخلوا واقعة عن حكم الله تعالى مع كثرة الوقائع إذ لو حصل ذلك لنقل إلينا، فلما لم ينقل إلينا علمنا نه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى مع استرسالهم في إعطاء كل واقعة حكماً يستلزم اعتمادهم على الاستدلال المرسل، لأن النصوص وما حمل عليها بالقياس محصور، والوقائع غير محصورة، والمحصور لا يفي بغير المحصور، لذلك لزم الاعتماد على المعاني الكلية، والقواعد العامة التي دلت نصوص الشرع على اعتبارها في الجملة، وإذا كانت النصوص وما حمل عليها لا تفي بإعطاء كل حادثة حكماً مع كثرة الحوادث وتجددها، لزم أن يعتمد المجتهد [1] انظر: البرهان 2/1116-1118. [2] انظر: البرهان 2/1121-1122.