والظاهر أن معنى هذه العبارة "أن الشارع لم يقل لمعاذ إن اجتهدت فلاحظ النصوص ومعانيها ولا تخرج عن ذلك أن المعاني التي خرجت عن النصوص والأقيسة، فكأن وجه الاستدلال مكون من جهتين:
الأولى: التمسك في الأحكام بغير النصوص.
الثانية: عدم المطالبة بملاحظة النصوص عند الاجتهاد بل الاكتفاء بالرأي المفيد في فهم مقاصد الشريعة.
وهذه الزيادة، وهي قول ولم يكلفه الشارع الخ، لها مكانتها في تمام الاستدلال بالحديث، إذ القاضي ومن سلك مسلكه من منكري المصلحة لا ينكرون التعلق بما عد الكتاب والسنة مطلقاً، وإنما ينكرون بعض ذلك، وهو المصلحة، فلا بد في الرد عليهم من زيادة عدم مطالبته عليه الصلاة والسلام له بملاحظة الأدلة الخاصة عند الاجتهاد.
واسم الرأي: شامل لما يلتفت فيه إلى الأدلة الخاصة في استنباط الأحكام كالقياس الذي لا بد فيه من وجود أصل دل عليه النص، وإلى ما لا يلتفت فيه إلى ذلك بل إلى الأدلة العامة، ومقاصد الشريعة"[1].
"وعلى هذا النحو يعالج قدماء الشافعية رعاية المصلحة فيؤكدون أن الشارع قد راعى المصالح جميعها، ثم يحتمون رعاية كل مصلحة جزئية لم يراعها الشارع بذاتها، هذا ما دامت مصلحة فعلاً لأن فهم نفس الشرع يوجب هذه الرعاية.
أما المتأخرون من فقهاء الشافعية فيدعون أن إمامهم لم يقل بالمصالح، وأن الجويني يوافق مالكاً في القول بها ناسين أن في مذهبهم فروعاً كثيرة لا مستند لها إلا رعاية المصلحة، وأنهم مهما يقولون في تعليل عدول الإمام عن مذهبه القديم إلى مذهب آخر جديد بعد أن قدم مصر - فليسوا مستطيعين أن ينكروا أن المصلحة - كما رأى صورها في مصر تختلف عما رآها عليه في بغداد، وأن هذا كان [1] انظر: رأي الأصوليين في المصالح المرسلة والاستحسان ص 183-184.