يجوز الحكم بمجرده، إن لم يعتض بشهادة أصل، إلا أنه يجري مجرى الضرورات، فلا بعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد وإن لم يشرع الشرع بالرأي، فهو كالاستحسان، فإن يعتضد بأصل، فذاك قياس، وأما الواقع في رتبة الضرورات، فلا بعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد له أصل معين"[1].
ثم مثل للمصلحة الضرورية بالمثال الذي نقله عنه الأصوليون وهو "أن الكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام، وقتلوا كافة المسلمين، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً لم يذنب ذنباً، وهذا لا عهد به في الشرع، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم ويقتلون الأسارى أيضاً[2].
ثم بين أن حفظ جميع المسلمين أو أكثرهم مصلحة ضرورية، وأنه أقرب إلى مقصود الشرع، فقال: "لأنا نعلم قطعاً أن مقصود الشرع تقليل القتل، كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإذا لم نقدر على الحسم، قدرنا على التقليل، وكان هذا التفاتاً إلى مصلحة علم بالضرورة، كونها مقصود الشرع لا بدليل واحد معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر[3].
ثم قال: "فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين، وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أو صاف: أنها ضرورية قطعية كلية".
ثم أوضح محترزات المثال الذي مثل به عما لم يكن ضرورياً ولا قطعياً ولا كلياً، حيث قال: "وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم، إذ لا يحل رمي الترس إذ لا ضرورة فبنا غنية عن القلعة فنعدل عنها، إذا لم نقطع بظفرنا بها، لأنها ليست قطعية بل ظنية، وليس في معناها جماعة في سفينة، لو طرحوا واحداً منهم لنجوا، وإلا غرقوا بجملتهم لأنها ليس كلية إذ يحصل بها هلاك عدد محصور، [1] انظر: المستصفى 1/293 - 294. [2] المرجع السابق 1/294. [3] المرجع السابق 1/295.