وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين، ولأنه ليس يتعين واحد للإغراق، إلا أن يتعين بالقرعة، ولا أصل لها، وكذلك جماعة في مخمصة لو أكلوا واحداً بالقرعة، لنجوا، فلا رخصة فيه لأن المصلحة ليست كلية"[1].
وعلى أساس ما ذكره هنا اختلفت آراء الأصوليين في مذهبه المرسل، فذهب كثير منهم إلى أن الغزالي لا يقبل من المرسل إلى ما كانت المصلحة فيه ضرورية قطعية كلية، أخذاً من كلامه هنا في المستصفى.
وممن ذهب إلى هذا العضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب والكمال بن الهمام في التحرير وغيرهما واختاره البيضاوي في المنهاج[2].
وذهب ابن السبكي إلى أن الغزالي إنما اشترط في المصلحة أن تكون ضرورية قطعية كلية لإخراجها عن محل النزاع، وبيان أنّ مثل هذه المصلحة يجب أن يكون محل اتفاق أما ما لم تكن ضرورية قطعية كلية، فهي التي فيها الخلاف بين العلماء.
قال: "وليس منه - أي المناسب المرسل - مصلحة ضرورية كلية قطعية، لأنها مما دل الدليل على اعتبارها قطعاً، واشترطها الغزالي للقطع بالقول به لا لأصل القول به، قال: والظن القريب من القطع كالقطع[3].
وعلق البناني على ابن السبكي بقوله: "الذي يفيده صنيع المصنف، بل تكاد أن تصرح عبارته به أن الغزالي قال بالمرسل إن لم تكن المصلحة بالصفات المذكورة، إذ لو كان مذهب الغزالي أنه لا يقول بالمرسل إلا إذا كانت المصلحة بتلك الصفات، لكان سياق الحكاية عنه أن يقول: وقبله الغزالي إذا كانت المصلحة ضرورية الخ.
وأما قول الشارح فجعلها منه مع القطع بقبولها فمعناه أن كون المصلحة [1] المستصفى 1/296. [2] انظر: شرح المختصر مع حاشية السعد 2/242، والتحرير مع شرحه التقرير والتحبير 3/139، المنهاج مع شرحيه نهاية السول والمنهاج 3/135، ونهاية السول 3/136، والأحكام 4/140. [3] انظر: جمع الجوامع مع شرحه وحاشية البناني 2/284.