بتلك الصفات لا يخرجها عن الإرسال، وهذا لا يفهم منه عدم قوله بالمرسل، إذا لم تكن المصلحة بتلك الصفات قطعاً.
وليس معناه أنه جعل المرسل ما كانت فيه المصلحة بتلك الصفات حتى يفهم منه عدم القول به إذا لم تكن كذلك[1].
فعلى هذا فإن الشروط الآنفة الذكر، التي اشترطها الغزالي في اعتبار المصلحة حجة لا تعني أنه لا يأخذ بالمرسل، إلا إذا كانت المصلحة متصفة بتلك الشروط، ومما يدل على هذا أن الغزالي - رحمه الله - لم يحصر اعتباره للمصلحة المرسلة في كتابه شفاء الغليل على المصلحة الضرورية فقط، بل صرح فيه بقبوله للمصلحة الحاجية أيضاً، فهو يقول: "وأما الواقع من المناسبات في رتبة الضرورات أو الحاجيات، كما فصلناها فالذي نراه فيها أنه لا يجوز الاستمساك بها، إن كان ملائماً لتصرفات الشرع، ولا يجوز الاستمساك بها إن كان غريباً لا يلائم القواعد[2].
فهو هنا لم يعرج على اشتراط كون المصلحة ضرورية قطعية كلية، فالذي يقتضيه كلامه هنا أنه قائل بكل من المصلحة الضرورية والحاجية مطلقاً سواء كانتا عامتين أو غالبتين أو خاصتين، لكنه اشترط لذلك أن لا يكون الوصف غريباً وأن لا يصادم نصاً فيتعرض له بالتغيير.
وقد صرح بهذا بعد ذكره لأقسام المصلحة باعتبار كونها ضرورية وحاجية وتحسينية، فقال: "وتنقسم قسمة أخرى بالإضافة إلى مراتبها في الوضوح والخفاء: فمنها ما يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق كافة، ومنها ما يتعلق بمصلحة الأغلب، ومنها ما يتعلق بمصلحة شخص معين في واقعة نادرة، وتتفاوت هذه المراتب بتفاوت مصالحها في الظهور كل ذلك حجة بشرط أن لا يكون غريباً بعيداً وبشرط أن لا يصادم نصاً ولا يتعرض له بالتغيير"[3].
وصرح بأن المصلحة التحسينية لا يجوز التمسك بها ما لم يشهد لها نص معين، يشهد لعين المصلحة حتى يكون العمل بها من باب القياس على الأصل [1] انظر: حاشية البناني على المحلى 2/285. [2] انظر: شفاء الغليل ص 209. [3] انظر: شفاء الغليل ص210 - 211.