وإلى هذا يرجع ما يجوز التمسك به، وكل مثال نذكره ففيه دليل على قبوله إذا أظهرنا وجه الرأي فيه، ويشهد على جنس ذلك أمر كلي، وهو مثال منقول عن الصحابة واشتهر بين أئمتهم وتطابقوا عليه، وذلك ما روي عن أناس لما تتابعوا في شرب الخمر واستخفوا الحد المشرع فيه، جمع عمر رضي الله عنه الصحابة، واستشارهم واستطلع آراءهم، فضربوا فيه بسهام الرأي حتى قال علي رضي الله عنه: من شرب سكر، ومن سكر هذى، ومن هذى افترى، فأرى عليه حد المفتري[1].
فأخذوا بقوله واستصوبوه واستمروا عليه، وهذه هي المصلحة المرسلة التي يجوز اتباع مثلها"[2].
وقال في موضع آخر: "فإن الفتوى بالمصلحة اجتهاد، وقد قال معاذ رضي الله عنه: "أجتهد رأيي"[3].
وقال: "وعلى الجملة المفهومة من الصحابة اتباع المعاني، والاقتصار في درك المعاني على الرأي الغالب دون اشتراط درك اليقين، فإنهم حكموا في مسائل مختلفة بمسالك متفاوتة الطرق، ومتباينة المناهج لا يجمع جميعها إلا الحكم بالرأي الأغلب والأرجح، وهو المراد بالاجتهاد الذي قرر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً عليه، فعلينا أن نتبين أن هذا يفيد غلبة الرأي"[4].
فاتباع الصحابة للمعاني المأخوذة من نصوص الشرع يفيد حصول الظن الغالب بدرك الأحكام منها، وذلك هو معنى الاجتهاد الذي أقر النبي صلى الله عليه وسلم عليه [1] أبو داود 2/475، ولفظه: "عن علي أن الرجل إذا شرب افترى، فأرى أن تجعله كحد الفرية".
ولفظ مسلم: عن عبد الرحمن بن عوف "أرى أن تجعلها كأخف الحدود"، صحيح مسلم 5/125. [2] انظر: شفاء الغليل ص 211 - 212. [3] انظر: شفاء الغليل ص 221، والحديث أخرجه أبو داود 2/472. [4] انظر: شفاء الغليل ص 195.