وأما السنة فمن حيث هي بيان للكتاب، والبيان على وفق المبين.
وأما الإجماع؛ فلأن العلماء - المعتد بهم - جميعاً يعللون الأحكام بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، حتى المخالفون منهم فيكون الإجماع حجة.
وأما النظر، فلأن كل ذي عقل صحيح يؤمن بأن الغاية من أحكام المعاملات والعادات في كل شريعة عادلة، هي تحقيق مصالح الناس، وليس من الشرائع أعدل من الشريعة الإسلامية، فهي إذاً أجدر الشرائع برعاية المصالح.
هكذا قرر الطوفي، فكيف ساغ له في مذهبه بعد هذا أن يفترض مصادمة النصوص والإجماع للمصلحة، وكيف يقرر مبدأ رعاية الشريعة الإسلامية للمصلحة، ثم يقرر إنما جاءت به هذه الشريعة قد يخالف المصلحة[1]؟ وأنها حينئذ تقدم على النص والإجماع.
فإن قيل: يحتمل أنه إنما يقصد التعارض في الظاهر، وحينئذ ينسجم كلامه.
أجيب عنه بأن ما استدل به على تقديمها على النص والإجماع ينفي إرادته لذلك، فإلى تلك الأدلة:
أدلة الطوفي على تقديم المصلحة على النص والإجماع:
يقول الطوفي مستدلاً على تقديم رعاية المصلحة على النص والإجماع وغيرهما من أدلة الشرع: "وإنما يدلنا على تقديم رعاية المصلحة على النص والإجماع ... وجوه:
أحدها: أن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح، فهي إذاً محل وفاق والإجماع محل خلاف؛ والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه.
الوجه الثاني: أن النصوص مختلفة متعارضة، فهي سبب الخلافي في الأحكام المذموم شرعاً، ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعاً، فكان اتباعه أولى، وقد قال عز وجل: [1] انظر: المصلحة في التشريع الإسلامي ص 143 مع تصرف واختصار.