responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 42
الْوَاصِفُونَ، وَلَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ الْمُتَفَكِّرُونَ، وَيَعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُونَ بِآيَاتِهِ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَاهِيَّةِ ذَاتِهِ، وَلَا يُحِيطُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ (لَا يَبْلُغُ) أَيْ لَا يُدْرِكُ (كُنْهَ) أَيْ حَقِيقَةَ (صِفَتِهِ) تَعَالَى (الْوَاصِفُونَ) أَيْ الْعَارِفُونَ بِطَرِيقِ مَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ، وَالصِّفَةُ لَا بِقَيْدٍ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْمَوْصُوفِ، وَتَفْسِيرُ الْكُنْهِ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكُنْهِ الْغَايَةُ؛ لِأَنَّ كُنْهَ الشَّيْءِ غَايَتُهُ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ يَكُونُ عَدَمُ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي أَنَّ الصِّفَةَ غَايَةٌ لَا تُدْرَكَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ عَلَى حَدٍّ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ، وَاللَّاحِبُ الطَّرِيقُ، وَالْمَنَارُ الْعَلَامَةُ أَيْ لَيْسَ لَهُ مَنَارٌ حَتَّى يُهْتَدَى بِهِ، وَمَثَلُهُ: وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ، أَيْ لَا ضَبَّ لَهَا حَتَّى يَنْجَحِرُ أَيْ لَا يَدْخُلُ الْجُحْرَ، وَبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا أَيْ لَا عِمَادَ لَهَا حَتَّى تَرَوْهَا، فَالْمَذْكُورَاتُ مِنْ بَابِ نَفْي اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ نَفْيِ الْمَلْزُومِ، إذْ مَعْنَاهُ. لَا مَنَارَ لَهُ فَيَهْتَدِي بِهِ، وَالْمَعْنَى هُنَا: لَا غَايَةَ لِصِفَتِهِ حَتَّى تُدْرَكَ فَيَكُونُ كَنَّى بِعَدَمِ إدْرَاكِ غَايَةِ الصِّفَةِ عَنْ عَدَمِ إدْرَاكِ الصِّفَةِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ إدْرَاكِ صِفَتِهِ تَعَالَى. فَإِنْ قُلْت: تَعْرِيفُهُمْ لِكُلِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَتَعْرِيفِهِمْ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ بِهِ يَقْتَضِي إدْرَاكَ كُنْهِ الصِّفَاتِ قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ كَمَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْمُعَرَّفِ يُفِيدُ تَمْيِيزَهَا عَمَّا عَدَاهَا، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ مَعْرِفَةَ حَقِيقَتِهِ كَالتَّعْرِيفِ بِبَعْضِ الْخَوَاصِّ مِمَّا هُوَ رَسْمٌ، وَتَعْرِيفُ الصِّفَاتِ تَعْرِيفٌ لَهَا بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ عِلْمُ خَلْقِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْوَاصِفُونَ عَنْ الْبَارِي تَعَالَى فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ كَمَا يَأْتِي.
تَنْبِيهٌ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ ذَاتِهِ لَا تُدْرَكُ مِنْ بَابِ أَوْلَى عَدَمُ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الصِّفَةِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا تُعْرَفُ حَقِيقَةُ ذَاتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ، وَأَطْلَقَ الْجُنَيْدُ الْقَوْلَ فِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالصِّفَةِ وَقَالَ: لَا يَعْرِفُ اللَّهَ إلَّا اللَّهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّ الذَّاتَ يُمْكِنُ بُلُوغُ حَقِيقَتِهَا، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَرَادَ هَذَا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الصِّفَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ فِي بُلُوغِ الذَّاتِ قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ فَلَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا بِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ التَّتَّائِيِّ: أَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الصِّفَةِ أَنَّ الذَّاتَ يُمْكِنُ بُلُوغُ حَقِيقَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي إلَخْ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي عِلْمِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ بَلْ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْمُعَلِّمُ بِالْحَقِيقَةِ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُحَاطُ بِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ وَهْمٌ وَلَا يُقَدِّرُهُ فَهْمٌ، وَأَنَّ الْعُقُولَ قَاصِرَةٌ عَاجِزَةٌ عَنْ إدْرَاكِ جَلَالِهِ، وَمَنْ نَفَى الْعِلْمَ بِالْحَقِيقَةِ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَرَفَهُ الْعَارِفُونَ بِدَلَالَةِ الْآيَاتِ وَنَزَّهُوهُ عَنْ سَائِرِ النَّقَائِصِ وَأَثْبَتُوا لَهُ جَمِيعَ الْكَمَالَاتِ، فَاتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى عَدَمِ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ وَإِنْ كَانَتْ تُعْلَمُ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَهَا أَخَصُّ مِنْ عِلْمِهَا لِاقْتِضَاءِ الْإِدْرَاكِ الْإِحَاطَةَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ ذَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ إدْرَاكُ حَقِيقَتِهِ إذْ يُرَى مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ وَلَا انْحِصَارٍ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أَيْ لَا تُحِيطُ بِهِ، وَالْإِدْرَاكُ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ الرُّؤْيَةُ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا مِنْ لَفْظِيَّةِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَةِ الذَّاتِ إدْرَاكُ حَقِيقَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا رُؤْيَةُ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ فَلَمْ تَقَعْ فِي الدُّنْيَا يَقَظَةً لِأَحَدٍ وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً لِسُؤَالِ مُوسَى إيَّاهَا سِوَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا شَكَّ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ وَلَا انْحِصَارٍ بِشَهَادَةٍ {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَمْ تَرَهُ الْأَبْصَارُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ بَلْ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لِاقْتِضَائِهِ الِانْحِصَارَ نَفْيَ الْأَعَمِّ الَّتِي هِيَ الرُّؤْيَةُ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ (لَا يُحِيطُ) أَيْ لَا يَعْلَمُ (بِأَمْرِهِ) أَيْ شَأْنِهِ (الْمُتَفَكِّرُونَ) جَمْعُ مُتَفَكِّرٍ وَهُوَ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِكْرُ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيزَانِ تَرْتِيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لَلتَّأَدِّي إلَى مَجْهُولٍ كَتَرْتِيبِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ النَّتِيجَةِ الَّتِي كَانَتْ مَجْهُولَةً، وَهَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْمُتَفَكَّرِينَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَأَمِّلُونَ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ يُطْلَقُ عَلَى التَّأَمُّلِ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُحِيطُوا بِشَأْنِهِ تَعَالَى لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِ، إذْ كُلُّ يَوْمٍ أَيْ زَمَنٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أَيْ أَمْرٍ يُظْهِرُهُ عَلَى وَفْقِ مَا قَدَّرَهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ إحْيَاءٍ وَإِمَاتَةٍ وَإِعْزَازٍ وَإِذْلَالٍ وَإِغْنَاءٍ وَإِفْقَارٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ ضِدَّ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ مُكَلَّفُونَ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إحَاطَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ دَلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ الْمُتَفَكِّرُونَ أَيْ

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست