responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 43
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ فَكَيْفَ يُتَوَصَّلُ إلَى إدْرَاكِ كُنْهِ صِفَتِهِ؟ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَفَكِّرِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُمْ الْإِحَاطَةُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ جَلَسَ يَوْمًا عَلَى كُرْسِيِّ وَعْظِهِ يُقَرِّرُ فِي تَفْسِيرِ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فَوَقَفَ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: فَمَا يَفْعَلُ رَبُّك الْآنَ؟ فَسَكَتَ وَبَاتَ مَهْمُومًا، فَرَأَى الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ السَّائِلَ هُوَ الْخَضِرُ وَإِنَّهُ سَيَعُودُ إلَيْك فَقُلْ لَهُ: شُئُونٌ يُبْدِيهَا وَلَا يَبْتَدِيهَا يَخْفِضُ أَقْوَامًا وَيَرْفَعُ آخَرِينَ، فَأَتَاهُ فَأَجَابَهُ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ عَلَى مَنْ عَلَّمَك. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ سَأَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ وَقَالَ لَهُ: أُشْكِلَ عَلَيَّ قَوْله تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْقَلَمَ جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ فِي الْجَوَابِ إنَّ مَعْنَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] شُؤُونٌ يُبْدِيهَا أَيْ يُظْهِرُهَا لَا شُؤُونٌ يَبْتَدِيهَا أَيْ يُقَدِّرُهَا أَيْ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ.
(وَ) لَمَّا بَيَّنَ عَجْزَ الْخَلْقِ عَنْ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ صِفَتِهِ وَذَاتِهِ تَعَالَى، ذَكَرَ مَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ فِي شَأْنِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (يَعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُونَ بِآيَاتِهِ) هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الطَّلَبِ أَيْ وَلْيَتَّعِظْ وَيَسْتَدِلَّ الْمُتَفَكِّرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ لَا مُشَارِكَ لَهُ فِي حُكْمِهِ، وَأَنَّهُ الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ الضَّارُّ النَّافِعُ، وَالْعَبْدُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي أَمْرٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْوِيضُ أَمْرِهِ إلَى خَالِقِهِ مُمْتَثِلًا أَوَامِرَهُ مُجْتَنِبًا نَوَاهِيَهُ، فَالْآيَاتُ جَمْعُ آيَةٍ وَهِيَ الْعَالَمُ الَّذِي هُوَ مَا سِوَى اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، فَإِنَّ النَّظَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ يُوصِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ آيَاتِ اللَّهِ عَقْلِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ، فَالْعَقْلِيَّةُ أَدِلَّةُ مَخْلُوقَاتِهِ وَعَجَائِبُ مَصْنُوعَاتِهِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ بِإِيجَادِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَالشَّرْعِيَّةُ آيَاتُ كِتَابِهِ وَأَدِلَّةُ خِطَابِهِ وَجُمْلَةُ مَعَانِيه وَأَسْرَارِهِ وَبِهِمَا تُسْتَفَادُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةِ أَصْلًا أَوْ قِيَاسًا، وَبِهِمَا يَتَذَكَّرُ وَيَتَّعِظُ الْإِنْسَانُ.
(وَلَا يَتَفَكَّرُونَ) أَيْ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ لِلِاعْتِبَارِ وَلَا لِغَيْرِهِ (فِي مَاهِيَّةِ) أَيْ حَقِيقَةِ (ذَاتِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ حَقِيقَتِهَا، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَبِرُ وَيَنْظُرُ فِي الْآيَاتِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ وَيَنْظُرَ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى، فَقَوْلُهُ: وَلَا يَتَفَكَّرُونَ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ لِمَا وَرَدَ تَفَكَّرُوا فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِهِ، وَوَرَدَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ لِأَحَدِكُمْ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَدَوَاءُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ شِفَاءُ هَذَا الدَّاءِ، وَالْمَائِيَّةُ بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ وَقَدْ تُبْدَلُ هَاءٌ فَيُقَالُ مَاهِيَّةُ وَمَعْنَاهَا الْحَقِيقَةُ كَمَا بَيَّنَّا وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى لَفْظَةِ مَا الَّتِي يُسْأَلُ بِهَا نَحْوُ: مَا الْإِنْسَانُ وَالْمَائِيَّةُ وَالْمَاهِيَّةُ وَالْحَقِيقَةُ وَالطَّبِيعَةُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْإِنْسَانِ بِمَا هُوَ، فَالْمَائِيَّةُ كَمَا هِيَ نِسْبَةٌ إلَى مَا؛ لِأَنَّهُ يُجَابُ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ بِمَا، كَذَلِكَ الْمَاهِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى مَا هُوَ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّهْيِ فِي الْمَعْنَى عَنْ النَّظَرِ فِي ذَاتِهِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْعُقُولَ قَاصِرَةٌ عَنْ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِجَلَالِهِ وَكُنْهِ عَظَمَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حَقِيقَةُ ذَاتِهِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ لَنَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ إمَّا بِالْبَدَاهَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ، وَبُطْلَانُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ذَاتَهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ بِالْبَدَاهَةِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِالنَّظَرِ إمَّا بِالْحَدِّ وَإِمَّا بِالرَّسْمِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَاطِلٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْحَدِّ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا تَقْبَلُ ذَاتُهُ التَّحْدِيدَ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ، وَالتَّرْكِيبُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى ذَاتِهِ وَمُنْتَفٍ عَنْهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهُ تَعَالَى، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ لِلْخَلْقِ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَهُ بِصِفَاتِهِ، أَعْرَضَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ سَأَلَهُ فِرْعَوْنُ عَنْ الْحَقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] الَّذِي قُلْت إنَّك رَسُولُهُ؟ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَأَجَابَ بِالصِّفَةِ قَائِلًا: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الشعراء: 24] وَقَصَدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِجَابَةِ بِالصِّفَةِ وَتَرَكَ الْإِجَابَةَ عَنْ الْحَقِيقَةِ، مَعَ أَنَّ فِرْعَوْنَ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ بَيَانِهَا، التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَاتَه تَعَالَى لَا تُعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَدُّ إلَّا مَا لَهُ جِنْسٌ وَفَصْلٌ مِمَّا هُوَ مُرَكَّبٌ وَالتَّرْكِيبُ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَلَمَّا لَمْ يُدْرِك فِرْعَوْنُ هَذِهِ النُّكْتَةَ اعْتَرَضَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ لِأَشْرَافِ أَتْبَاعِهِ مِمَّنْ حَوْلَهُ: أَلَا تَسْتَمِعُونَ جَوَابَ مُوسَى الَّذِي لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ؟ سَأَلْته عَنْ حَقِيقَتِهِ تَعَالَى فَأَجَابَ بِصِفَاتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلسُّؤَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مُوسَى جَهْلَ فِرْعَوْنَ وَغَلَطَهُ بَلْ ذَكَرَ صِفَاتٍ أَبْلَغَ مِنْ الْأُوَلِ مُشِيرًا إلَى أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ الْعُقَلَاءِ فَقَالَ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28] فَتَسْتَدِلُّونَ بِمَا أَقُولُ فَتَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ وَهَذَا غَايَةُ الْإِرْشَادِ؛ لِأَنَّهُ نَبَّهَ أَوَّلًا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَامِ وَهُوَ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْفُسُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ، ثُمَّ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّدْرِيجِ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَلِيلًا عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الرَّسْمَ لَا

نام کتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني نویسنده : النفراوي، شهاب الدين    جلد : 1  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست