فمن ذلك ما أورده إخوان الصفا في رسائلهم قالوا: (ويحكى عن هرمس المثلث بالحكمة، وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد إلى فلك زحل، ودار معه ثلاثين سنة، حتى شاهد جميع أحوال الفلك، ثم نزل إلى الأرض فخير الناس بعلم النجوم، قال تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [1]) [2]. وما ذكره علي بن موسى بن طاووس عن إدريس: (أنه أول من خط بالقلم، وأول من حسب حساب النجوم) ، ثم قال: (هذا لفظه فيما حكي من التوراة) [3]، وذكر أيضاً: (وكان إدريس أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر في علم النجوم والحساب) [4].
وبيان بطلان هذه الادعاءات من خمسة أوجه:
الوجه الأول: أنه قول بلا علم، فإن مثل هذا لا يعلم إلا بالنقل الصحيح، ولا سبي للقائل إلى ذلك[5].
الوجه الثاني: أن هؤلاء يزعمون أن هذا العلم مأخوذ من إدريس عليه السلام، بينما نجدهم في كتبهم يصرحون أنهم عرفوه بالتجربة والقياس، فمن ذلك قول ابن أبي الشكر[6]: (وذلك مما جربه الحكماء المتقدمون، [1] سورة مريم، الآية: 57.
2 "رسائل إخوان الصفا": (1/138) ، لم يقل أحد من المفسرين بهذا التفسير للآية.
3 "فرج المهموم": ص22. [4] المصدر نفسه: ص21.
5 "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/331) . [6] هو يحيى بن محمد بن أبي الشكر، أبو الفتح، ويعرف بالحكيم المغربي، منجم عالم بالفلك، أندلسي من أهل قرطبة، توفي سنة ثمانين وستمائة. "كشف الظنون": ص1596، و"هدية العارفين": (2/516) ، و"الأعلام": (8/166) ، و"الذريعة": (1/408) .