هذه هي معاني الحديث بلفظتيه رَكس ورِجس، وهي معانٍ متعاضدةٌ متناسبة مع استعمال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الكثيرة التي اجتزأنا بعضاً منها، وليس منها معنى النجاسة. بل لماذا نذهب بعيداً والحديث الرابع يقول «إن بني آدم يُنجِّسونه علينا» فهذا نصٌّ يدلُّ دلالة قطعية على طهارة الروث والعظم، لأن ما كان نجساً لا يُطلب عدم تنجيسه، فكون الحديث يقول ما قال فهو دليل أكيد على طهارتهما.
وإذن وبعد أن ظهر خطأُ استشهادهم على نجاسة الروث، فإن الرَّوث يظل على أصله من الطهارة، ويظل بول الآدمي فحسب هو النجس، وهذا وحده يكفي للتدليل على طهارة جميع الأبوال لجميع الحيوانات، باستثناء أبوال الكلاب والخنازير، لما سبق تحقيقه من نجاسة الكلب ونجاسة الخنزير، إذ أنهما ما داما نجسين فأبوالهما نجسة قطعاً.
وإنَّ الأمر ليزيد عن حد الكفاية إلى حد الاطمئنان حين نستشهد بالأحاديث الثلاثة التي سبق أن استشهد بها أصحاب الرأي الأول على طهارة أبوال ما يُؤكل لحمه، فهي في الواقع يُستشهد بها للاطمئنان على صحة الرأي القائل بطهارة أبوال وأزبال الدوابِّ كلها، وأن هذه النصوص الثلاثة إنما تناولت أفراداً من المباح ولم تستقص المباح كله، فالمباح ثبت حين أبطلنا أدلة من قال بنجاسة الأبوال، لأن الأصل في الأشياء أن تكون طاهرة.
بقيت النقطة الأخيرة، وهي التداوي: هل يجوز التداوي بالدواء الخبيث أو النجس، أو الحرام أم لا يجوز؟ الصحيح أن التداوي بالنجس أو بالمُحرَّم حرام لا يجوز لما يلي:
أ- عن وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي «سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي.