فَإِنْ أَحْضَرَهَا وَوَقَعَ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهَا زَالَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَإِنْ عَدِمَهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا من حفظه، لتقدم علمه بها، صار معلوما القول، والموقع مخير في قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِخْلَافُهُ. وَأَمَّا السَّادِسُ وَهُوَ تَصَفُّحُ الظَّلَّامَاتِ، فهو مختلف بحسب اختلاف المتظلم وَلَيْسَ يَخْلُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُتَظَلِّمُ مِنْ الرَّعِيَّةِ أَوْ مِنْ الْعُمَّالِ. فَإِنْ كَانَ الْمُتَظَلِّمُ مِنْ الرَّعِيَّةِ تَظَلَّمَ مِنْ عَامِلٍ تَحَيَّفَهُ فِي معاملة، كَانَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ فِيهَا حَاكِمًا بَيْنَهُمَا، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَفَّحَ الظَّلَّامَةَ وَيُزِيلَ التَّحَيُّفَ، سَوَاءٌ وقع الناظر إليه بذلك أو لم يوقع، لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِحِفْظِ الْقَوَانِينِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، فَصَارَ بعقد الولاية مستحقا لتصفح الظلامات، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا امْتَنَعَ وَصَارَ عَزْلًا عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ إلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُتَظَلِّمُ عاملا جوزف في حسابه، أو غولط في معاملته فصار صاحب الديوان فيها خصما، فكان المتصفح لها ولي الأمر.
فصل في أحكام الجرائم
الجرائم: محظورات بالشرع، زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ. وقد قيل: إن حالها عند التهمة بها، وقيل: ثبوتها وصحتها معتبرة بحال الناظر فيها. فإن كان حاكما رفع إليه من قَدْ اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ، أَوْ زِنًا، لَمْ يَكُنْ للتهمة بها تأثيرا عنده، ولم يجز حبسه لكشف ولا لإستبراء ولا أخذه بأسباب الإقرار إجبارا. ولا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا مِنْ خَصْمٍ مستحق لما قرف بسرقته، ويعتبر بعد ذلك إقرار المتهوم أو إنكاره. وإن اتهم بالزنا لم تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ التي زنى بها ويصف الفعل الموجب للحد، فإن أقر أخذه بموجبه، وإن أنكر سمع إنكاره واستحلفه فيما كان حقا لآدمي دون حق الله تعالى. وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا المتهوم أميرا، أو من ولاة الأحداث كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ الْكَشْفِ وَالِاسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَذَلِكَ من تسعة أوجه: